افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – من حق الولايات المتحدة أن تبدي قلقها من التطورات الميدانية في أفغانستان على ضوء ما تحققه حركة «طالبان» من سيطرة على مناطق واسعة، ومن حق الدول المجاورة والغربية أن تتخوف على مصير بعثاتها الدبلوماسية؛ فتقرر سحبها لمواجهة الأسوأ.
تقول وزارة الدفاع الأمريكية: «إن «طالبان» باتت تسيطر على نحو ثمانين في المئة من المناطق، وأنها وضعت خطط طوارئ؛ لإخلاء السفارة في كابول من الموظفين والدبلوماسيين في حال تعرضت لتهديد أمني مباشر».
روسيا من جهتها، تبدي قلقاً من تمدد «طالبان» شمالاً باتجاه حدود طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان؛ باعتبار أن تلك الحدود السابقة للاتحاد السوفييتي، هي حدود رخوة، تشكل معبراً للجماعات الإرهابية التي تشكل خطراً على الأمن القومي الروسي، خصوصاً مع إعلان موسكو المتواصل عن اكتشاف خلايا لـ«داعش» تخطط لأعمال إرهابية في أكثر من مكان.
فرنسا لا تقل خوفاً وقلقاً، فتدعو جميع رعاياها في أفغانستان للمغادرة، وكذلك الهند القريبة تجلي رعاياها من قندهار مع اقتراب «طالبان» للسيطرة عليها، في حين تحاول إيران الجارة الغربية الأخرى جمع «طالبان» والحكومة الأفغانية، لعلها تحقق ما يطمئنها في المستقبل، والمخاوف الصينية لا تقل عن مخاوف الآخرين.
تراهن الولايات المتحدة على ما يبدو على الجيش الأفغاني في التصدي لزحف «طالبان»؛ لكن التقارير تؤكد أن هذا الجيش الذي يمتلك عتاداً لا بأس به يفتقد إلى العقيدة القتالية، ويعاني ولاءات قبلية تحسب على طائفة البشتون التي تشكل عصب «طالبان»، ومع ذلك فإن واشنطن تتخوف من فشل هذا الجيش في حال اقتربت «طالبان» من العاصمة كابول.
لكن الخوف الأكبر يتمثل في أن تتمكن «طالبان» من بسط سيطرتها على البلاد، أو أن تغرق مجدداً في حرب أهلية طاحنة طويلة الأمد تشارك فيها مختلف القبائل، وبذلك تخسر أفغانستان كل ما تحقق من تطورات إصلاحية معقولة على صعيد الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمجتمع المدني، وحقوق المرأة والتعليم. وفي حال تمكنت «طالبان» من الوصول إلى السلطة فهناك الطامة الكبرى؛ إذ ستعود أفغانستان إلى عصور الجاهلية في ظل حكم ديني متزمت لا يؤمن بالحريات ولا بالديمقراطية ولا بالانتخابات، ويقيد المرأة، ولا يعترف بحقوقها الإنسانية، ولديها دستورها الجاهز الذي يقوم على الشريعة وفق مفاهيم التزمت والانغلاق.
المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جون كيربي يدعو الجيش الأفغاني للدفاع عن البلاد، فيما الانسحاب الأمريكي بات في مراحله الأخيرة، ويقول: إن لديه القدرات والإمكانات؛ لكن مع ذلك وبسبب عدم اليقين من أن يتمكن الجيش الأفغاني من الصمود، فقد وضعت وزارة الدفاع الأمريكية «مجموعة خطط طوارئ؛ لمواجهة الأسوأ»، ما يعني أن هناك خشية حقيقية من سقوط أفغانستان بيد «طالبان»، وبذلك تخسر الولايات المتحدة جهود عشرين عاماً، دفعت خلالها نحو تريليوني دولار وخسائر بشرية ليست قليلة.. وكل ذلك يذهب هباء.