بقلم: أحمد جمعة – اليوم السابع
الشرق اليوم – شكل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تحديا كبيرا في جنوب آسيا بعد تواجد دام لأكثر من عشرين عاما بذريعة مكافحة الإرهاب والتطرف في البلاد، وذلك بعد أحداث 11 سبتمبر التي تسببت في مقتل عشرات الأمريكيين وأحدثت صدمة كبيرة بسبب نفوذ التيارات المتطرفة الذي تعاظم بشكل كبير خلال تلك الفترة.
وتتشكل تحالفات إقليمية ودولية للتموضع بشكل واسع في الأراضى الأفغانية خلال الفترة المقبلة مع سيطرة حركة طالبان على ما يقرب من 85% من مساحة أفغانستان عقب الانسحاب الأمريكي التدريجى الذى ينتهى بسحب كافة القوات في 31 أغسطس المقبل، وذلك بعد سنوات من التواجد العسكري الأمريكي وصل عدد قواتها في البلاد لنحو 120 ألف جندي.
وتتوجه الأنظار خلال الأشهر الماضية إلى دولة باكستان أحد أبرز الدول الصاعدة في النظام العالمي الجديد، وتقع باكستان في جنوب آسيا على ساحل بحر العرب ويحدها بحر العرب في الجنوب وإيران وأفغانستان إلى الغرب، والهند إلى الشرق، والصين في الشمال.
وتعتبر جمهورية باكستان أول دولة إسلامية في العالم تقوم ببناء وتشغيل محطات طاقة نووية مدنية، وقد بدأت تطوير الأسلحة النووية في يناير 1972 في عهد رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو، وتعتبر موطن لثاني أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم بعد إندونيسيا في المرتبة الأولى.
وتتطلع الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز التنسيق والتعاون مع حكومة عمران خان في باكستان لاتخاذ الأراضى الباكستانية نقطة انطلاق لتفعيل التسهيلات التي قدمتها إسلام أباد إلى واشنطن مطلع عام 2000 للتحليق فوق الأجواء الباكستانية لاستهداف معاقل طالبان في أفغانستان، وهو ما تتحفظ عليه باكستان خلال الوقت الراهن، وذلك لعدة اعتبارات منها التحالف الباكستاني – الصيني المتمثل في مبادرة الحزام الطريق، فضلا عن التخوف من عمليات حركة طالبان في باكستان والتي ترى في “طالبان أفغانستان” نموذج الدولة الإسلامية.
كان لافتا زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وعدد من المسؤولين الأمريكيين إلى إسلام أباد خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى الاتصالات والتحركات التي تقوم بها روسيا التي تتخوف من زعزعة أمن واستقرار تلك المنطقة ما يدفعها للعمل مع إيران ضد أي أطراف إقليمية تسعى للتموضع في تلك المنطقة تحت المظلة الأمريكية.
وتعمل الولايات المتحدة في مسارات آخرى ومنها التحالف مع الهند لتحجيم النفوذ الصيني الكبير في هذه المنطقة التي لن تسمح بكين بأن تحدث بها توترات أو صراعات إقليمية ودولية تهدد أمنها واستقرارها الداخلى، وسعيها الدائم لعدم السماح بحدوث توترات في الدول والمناطق التي ترتبط معها بحدود مباشرة.
وبحسب الأنباء الواردة، فقد تمكنت حركة طالبان في أفغانستان من السيطرة على معابر حدودية هامة أبرزها معبر حدودي حيوي وهام مع جمهورية باكستان إلا أن الحركة لم تقدم بعد على الدخول إلى العاصمة كابول حتى اللحظة، وهو ما يشير لوجود تنسيق خفي بين الولايات المتحدة والقيادة الحالية لحركة طالبان الأفغانية.
الصراعات الإقليمية والدولية على كعكعة أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي ومحاولة أطراف هامة في تلك المنطقة إبرام تحالفات مع باكستان أو تفعيل تفاهمات قديمة هدفه التواجد في تلك المنطقة لأطول فكرة ممكنة، وذلك في ظل التوجه الأمريكي الحالي بالدخول في مواجهات بشكل مباشر أو غير مباشر مع التنين الصيني الذي يستخدم ورقة الاقتصاد لتعزيز مناطق نفوذه في المنطقة.
ما يحدث في أفغانستان والتحركات الدولية التي تنفتح على باكستان بشكل كبير يحتم علينا كدول عربية وإسلامية متابعة ما يجرى في تلك المنطقة التي يمكن أن تكون “مفرخة” جديدة للمتطرفين والمتشددين في ظل التقارير الاستخباراتية التي تشير إلى وجود اتجاه لنقل إرهابيين ومتشددين إلى كابول خلال الأشهر المقبلة بذريعة القيام بمهام أمنية وعسكرية هدفها ملء الفراغ الذي تركته واشنطن في هذا البلد الممزق منذ سنوات.