بقلم: نضال منصور – موقع الحرة
الشرق اليوم– بعد أكثر من عامين على إغلاق البيت الأبيض في وجه العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، تفتح له الأبواب مرة أخرى، ويحتفي الرئيس الأميركي الجديد، جو بايدن، باستقباله كأول زعيم عربي، ويمتدح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، العلاقات الثنائية بشكل لافت بقوله: “الأردن أكثر من شريك استراتيجي لأميركا”.
طويت صفحة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي سعى إلى معاقبة الأردن طوال حكمه الذي استمر أربع سنوات لرفضه الانصياع لـ “صفقة القرن”، وهزم نتانياهو وطرد من رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وكما علقت جريدة التايمز عقب الاجتماع السري بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، والملك عبد الله في عمّان “سقطت سياسة عزل الملك التي اتبعها نتانياهو وترامب”.
يلتقي الرئيس الأميركي بايدن بالعاهل الأردني في التاسع عشر من الشهر الجاري، وتعود العلاقات بين واشنطن وعمّان إلى دفئها وسابق عهدها، ويستعيد الملك عبد الله دوره كلاعب أساسي في المنطقة، ووسيط يسعى لرسم سيناريوهات الحلول في المنطقة، ووضع المقاربات لإطفاء الحرائق الإقليمية بعد سنوات عجاف عمل ترامب خلالها على تهميشه واستبعاده، وبناء خارطة جديدة للتحالفات في العالم العربي.
زيارة الملك عبد الله إلى واشنطن تأتي بعد العدوان الإسرائيلي على غزة، والتصعيد السياسي والأمني بعد انتهاكات سلطات الاحتلال في القدس وحي الشيخ جراح تحديدا، وهي كذلك تحدث بعد الانتخابات الإيرانية وفوز إبراهيم رئيسي، وقبل كل ذلك لا يمكن أن ننسى الأزمات الصحية، والفوضى الاقتصادية التي خلفتها وما زالت جائحة كورونا، وأصابت عمّان بكارثة اقتصادية.
ملفات كثيرة يحملها معه العاهل الأردني إلى واشنطن، ويراهن أن يحدث اختراقات تعزز دوره، وتنقذ بلاده التي تئن من تلاحق الأزمات السياسية والاقتصادية.
أول الهموم، المساعدات الاقتصادية الأميركية إلى الأردن، وحسب جريدة الغد الأردنية التي نشرت تقريرا على شكل إنفوجراف تحت عنوان “الملك في واشنطن.. الأردن في واجهة المنطقة من جديد”، فقد أشارت إلى أن إدارة ترامب لوحت بتخفيض الدعم الأميركي بمقدار 30 بالمئة، لكن الكونغرس رفض الطلب، ورفع المساعدات إلى مليار و600 مليون دينار وقعها الرئيس بايدن في قانون الإنفاق لعام 2021.
يعتبر الأردن ثالث أكبر دولة متلقية للمساعدات الأميركية، وفي 14 فبراير من عام 2018، وقعت مذكرة تفاهم بين البلدين التزمت بموجبها واشنطن بتقديم مساعدات أساسية لعمّان بمقدار مليار و275 مليون دولار سنويا، ولمدة خمس سنوات.
لا يتوقع أن يرتفع سقف المساعدات الأميركية لعمّان أكثر بكثير مما عليه الآن، ولكن واشنطن تستطيع أن تضغط على حلفائها، ومن يدورون بفلكها لنجدة الأردن اقتصاديا، والمؤشرات الأولية واضحة، فإسرائيل بقيادتها الجديدة وافقت على بيع الأردن كميّات من المياه هو في حاجة ماسة لها، ووافقت على إحياء “بروتكول باريس” الذي يسمح بزيادة التبادل التجاري بين الأردن والسلطة الفلسطينية من 160 مليون دولار إلى 700 مليون دولار، ويمكن أن “تغمز” إلى دول الخليج لتمرير مساعدات أو توقيع مشاريع مع عمّان.
ويمكن أكثر من ذلك غض النظر عن “قانون قيصر”، واستثناء الأردن والسماح له بالتبادل التجاري مع سوريا، والمرور إلى لبنان. وقد فعلت واشنطن ذلك مع عمّان إبان حكم الرئيس الأسبق، صدام حسين، والحصار المفروض عليه؛ إذ سمحت بمرور النفط والبضائع إلى العراق.
أكثر ما سيكون مختلفا في عهد الرئيس بايدن عودة القضية الفلسطينية لتصدر المشهد السياسي، وأكثر الرهانات الأردنية خلال زيارة الملك لواشنطن إعادة الاعتبار لحل الدولتين الذي دفنه ترامب ونتانياهو، والتصدي للاستيطان غير الشرعي، ووقف الانتهاكات في الأماكن المقدسة، والحفاظ على الوصاية الهاشمية، والتمسك بالهدنة العسكرية، وضمان المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
يسعى الملك إلى ترميم الخراب الذي أوقعه ترامب، وإلى إلغاء المصطلحات السياسية التي كرسها نتانياهو “السلام من أجل السلام”، والعودة إلى شعار “الأرض مقابل السلام”، وإلى ترسيخ فهم واضح ملخصه أن إنهاء الأفق بحل الدولتين بعني فعليا تكريس نظام فصل عنصري “أبرتهايد”.
التقى الملك قبل سفره إلى واشنطن بالرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في رسالة لدعم السلطة الفلسطينية المتهاوية والمثخنة بالجراح، وقبلها كانت القمة الأردنية المصرية العراقية تلتئم في بغداد لتبشر بمشروع سياسي حمل اسم “الشام الجديد”، والقمة الثلاثية استكمال لمحاولات بناء تحالف إقليمي يخلق توازنات في المنطقة لاستعادة مركز الثقل الذي اختل في السنوات الماضية.
قبل ذهاب الملك إلى واشنطن حدثت متغيرات لا يمكن إغفال أهميتها في سياق الإيقاع السياسي المتحول، فبعيدا عن عدسات الإعلام عُقد اجتماع بين الملك ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، ووزير خارجيته، يائير لبيد، والرسالة الأهم من الاجتماع هو تأبين مرحلة نتانياهو.
إذا كان العاهل الأردني يحمل تفويضا من الرئيس “أبو مازن” لإحياء عملية السلام الميتة، والفيتو الإسرائيلي على الدور الأردني تراجع بعد رحيل نتانياهو، فإن المهم أيضا استشراف العلاقة الأردنية مع حركة حماس، اللاعب الذي استعاد دوره بقوة بعد العدوان على غزة، وأصبح في استطلاعات الرأي الأكثر جدارة بقيادة الشعب الفلسطيني.
حتى اللحظة، لم تتسرب معلومات عن اتصالات مباشرة مع قادة حماس قبيل لقاء الملك ببايدن، ولكن المؤكد أن قنوات الاتصال لم تغلق بشكل عام حتى قبيل صمود غزة الأخير، فبين قيادات حماس من يرى ببقاء “الحبل السري” مع الأردن.
من الملفات التي لن تغيب عن طاولة النقاش في واشنطن الإصلاحات السياسية في الأردن، وواقع الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالرئيس بايدن لوّح أكثر من مرة بأنه لن يتساهل مع خروقات حقوق الإنسان في العالم، والشرق الأوسط المنطقة الحمراء التي تشهد يوميا انتهاكات مستمرة، ووفق الإدارة الأميركية فإنها لن تقبل بالسكوت، أو التواطؤ وغض النظر كما ساد في عهد الرئيس السابق ترامب.
الملك استبق زيارته إلى أميركا بتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وهي ورقة تخفف الضغط عليه بعد تزايد الانتقادات لواقع الحقوق والحريات في البلاد، والسؤال هل تكفي هذه الإجراءات لإقناع واشنطن بجدية الإصلاح هذه المرة؟
فالإدارة الأميركية ليست غائبة، وتعرف وعلى دراية بتفاصيل المشهد الأردني، وربما تطلب ضمانات أن تسير خطة الإصلاح السياسي خطوات حتى تحقق انفراجا داخليا، وتنهي حالة الاحتقان السياسي المتصاعدة بعد توالي الأزمات، بدءا من قضية نقابة المعلمين، وانتهاء بقضية ما سُميّ “الفتنة” والتي حوكم فيها رئيس الديوان الملكي الأسبق والوزير باسم عوض الله، وهو بالمناسبة يحمل الجنسية الأميركية أيضا.
أبعد من هذه الملفات الأساسية التي يعطيها الأردن الأولوية، هل يستطيع الملك أن يلعب دورا في تخفيف الضغوط على دول عربية تتحسس رأسها بعد فوز بايدن، وترى ملف حقوق الإنسان فرصة للتشويش عليها، وإضعافها وضربها تحت الحزام؟، وكذلك هل يلعب الأردن دورا في إعادة تأهيل النظام السوري، وبالتالي حلحلة الأزمات العاصفة في لبنان، والانتقال خطوة للأمام لمعاينة المشهد مع النظام الإيراني؟
ملخص القول تنفس الأردن الصعداء، وتساعده قمة واشنطن -عمّان على الاسترخاء بعد أربع سنوات من الضغط والابتزاز السياسي، فأكثر من 70 عاما من العلاقات بين البلدين وضعها ترامب في مهب الريح.
في السنوات العشرين من حكم الملك عبد الله الثاني تعاقب خمسة رؤساء أميركيين، كان الأردن كما وصفه بيان البيت الأبيض الترحيبي شريكا وحليفا للولايات المتحدة.