بقلم: محمد زيشان
الشرق اليوم- غالباً ما تعتبر الهند كشمير “مسألة داخلية”، لكن يبدو أن السياسة الخارجية والمخاوف الجيوسياسية هي التي توجّه قرار رئيس الوزراء ناريندرا مودي بالتواصل مع مجموعة من القادة السياسيين في كشمير، فقد أدت التطورات التي تَلَت اجتماع مودي مع قادة كشمير إلى اقتناع نيودلهي بأهمية استرجاع وضع طبيعي في كشمير، لكن من مصلحة السياسة الخارجية الهندية أيضاً أن تغيّر مسار الوضع في كشمير، بما يتجاوز النزاعات الحدودية ومخاوف الأمن القومي، ففي آخر سنتين، تغيّر دور كشمير في السياسة الخارجية الهندية نحو الأسوأ.
طوال عقود، كانت نيودلهي تبتكر استراتيجيتها الخارجية ومواقفها الجيوسياسية بناءً على مصالحها في كشمير وخلافها مع باكستان، لكن بالكاد ذُكِرت كشمير في تعاملات العالم الخارجي مع الهند.
على عكس الحركات الداعمة لتقرير المصير في فلسطين، والتِبَت، وشبه جزيرة القرم وأماكن أخرى، نُسِبت المشكلة القائمة في كشمير إلى المعطيات الجيوسياسية أكثر من استبداد الدولة، فبشكل عام، اعتُبرت معايير الديمقراطية في الهند واضحة، على عكس الصين وروسيا، حيث نجحت نيودلهي في حصر تركيز العالم على الإرهاب العابر للحدود من باكستان، وقد بذلت الهند جهوداً كبرى في الأمم المتحدة خدمةً لهذه الأجندة، لا سيما بعد اعتداءات مومباي الإرهابية في عام 2008.
لكن تغيّرت هذه الظروف كلها في أغسطس 2019، فبعدما ألغت حكومة مودي استقلال إقليم جامو وكشمير في ذلك الشهر، احتُجِز القادة السياسيون والناشطون معاً في كشمير طوال أشهر، ثم توقفت خدمة الإنترنت، ونتيجةً لذلك، تحولت أنظار العالم إلى المخاوف المرتبطة بحقوق الإنسان، وفي عام 2019، نظّم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سلسلة من الاجتماعات حول كشمير للمرة الأولى منذ أكثر من 50 سنة.
في غضون ذلك، تغيرت الظروف بشكلٍ جذري في واشنطن أيضاً، وأدت الشراكة الاستراتيجية الناشئة بين الهند والولايات المتحدة منذ بداية الألفية إلى تسليط الضوء على سياسة واشنطن في كشمير، وعلى عكس ما حصل خلال الحرب الباردة، عكست الإدارات الأمريكية المتلاحقة في السنوات الأخيرة رؤية نيودلهي التي تعتبر كشمير مسألة داخلية، لكن نظراً إلى القيود المستمرة هناك، وجّهت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي في السنة الماضية رسالة من الحزبَين الجمهوري والديمقراطي إلى نيودلهي، وذكرت بلهجة قلقة أن الظروف القائمة في إقليم جامو وكشمير لم تعد إلى طبيعتها بعد سنة على قرار الهند بإلغاء المادة 370″.
على صعيد آخر، أدى التدقيق العالمي بوضع كشمير إلى تقييد نطاق السياسة الخارجية في المسائل التي كانت الهند مؤثرة فيها سابقاً، ففي ما يخص قضية فلسطين مثلاً، كانت الهند بمختلف أفكارها السياسية تدعم حق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم طوال أجيال، وفي عام 2017، اعتبرت وزيرة الخارجية السابقة في عهد مودي، سوشما سواراج، دعم الهند لفلسطين “نقطة مرجعية” في سياستها الخارجية، وفي وقتٍ لاحق من تلك السنة، صوتت الهند ضد الولايات المتحدة وإسرائيل في الأمم المتحدة اعتراضاً على الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل.
لكنّ الهوس المرتبط بمعادلة كشمير وفلسطين وَضَع نيودلهي في موقف محرج خلال المناوشات في غزة هذه السنة، وفي جين تخبطت الهند بين مواقف متفاوتة بشأن الوضع في الشرق الأوسط، اعتقلت قوات الأمن في كشمير 20 شخصاً على الأقل بتهمة الاحتجاج دعماً لفلسطين.
أدى جمود الوضع في كشمير وتهميش القادة المحليين إلى إضعاف مصداقية الهند كصوتٍ داعم لحقوق الإنسان في الشؤون الدولية، وكان تواصل مودي معهم في الفترة الأخيرة يهدف إلى إعادة إرساء وضع طبيعي وإثبات رغبته في ترميم صورة حكومته، لكن لا يمكن تحقيق هذا الهدف ما لم توافق نيودلهي على خريطة طريق استراتيجية مع شعب كشمير وتُعدّل مكانة كشمير في السياسة الخارجية الهندية.