الرئيسية / مقالات رأي / اعتراف بالدّور الطّبيعي للأردن

اعتراف بالدّور الطّبيعي للأردن

بقلم: خيرالله خيرالله – النهار العربي

الشرق اليوم– ليس الدّور الأردني مصطنعاً كي يكون هناك كلام ساذج من نوع إعادة تأهيل هذا الدور. ليس الدور الأردني سوى دور طبيعي يشكّل جزءاً لا يتجزّأ من تركيبة المنطقة وتوازنها منذ قيام إمارة شرق الأردن قبل قرن من الزمن، في نيسان (أبريل) 1921 تحديداً.

أثبتت مؤسسات الدولة الأردنيّة أنّها راسخة. ليس تجاوز المملكة قضيّة “الفتنة” التي دين فيها باسم عوض الله، رئيس الديوان السابق، والشريف حسن بن زيد، وهو من بين أفراد الأسرة الهاشميّة، سوى دليل آخر الى أنّه ليس بالإمكان الاستخفاف بقوّة هذه المؤسسات. يضاف بالطبع أنّ الحكم الذي صدر بمثابة رسالة من عبد الله الثاني الى الداخل والخارج في الوقت ذاته. فحوى الرسالة الموجّهة الى الداخل أن المرونة لا تعني ضعفاً! 

ليس الجديد عودة الأردن الى الواجهة في ضوء اللقاء المتوقّع بين الملك عبد الله الثاني والرئيس جو بايدن في التاسع عشر من الشهر الجاري. الجديد هو العودة الأميركية والإسرائيلية الى المنطق. مثل هذا اللقاء، وهو الأوّل بين الرئيس الأميركي الجديد ورئيس دولة عربيّة في البيت الأبيض، يفرضه المنطق، نظراً الى أنّ لا مجال لتجاوز الأردن ودوره. مثل هذا التجاوز صعب على الرغم من التغييرات الكبيرة والجذريّة التي شهدتها المنطقة، خصوصاً منذ الزلزال العراقي عام 2003.

أخلّ الاحتلال الأميركي للعراق بالتوازن الإقليمي في العمق. بمجرّد تسليم إدارة جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة الى إيران، انهار أحد الأعمدة التي قام عليها النظام الإقليمي. هذا النظام الذي وُضعت أسسه بعد انهيار الدولة العثمانية في عشرينات القرن الماضي ومباشرة تطبيق اتفاق سايكس – بيكو الذي توصلت اليه بريطانيا وفرنسا عام 1916.

عاد الأردن الى لعب دوره الطبيعي في المنطقة، وإن نسبياً، بعد فترة مرّ فيها هذا الدور في حال من التراجع لأسباب عدّة. في مقدّم هذه الأسباب العلاقة السيئة بين الملك عبد الله الثاني من جهة، وكل من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي كان يؤمن بإمكان تجاوز الأردن ودوره بدعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو (بيبي). اعتقد “بيبي” أن الأردن لزوم ما لا يلزم. لم يفهم شيئاً من إصرار عبد الله الثاني على خيار الدولتين مع ما يعنيه ذلك من إيجاد وضع خاص للقدس الشرقيّة المحتلّة التي يفترض أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلّة “القابلة للحياة”. بقي همّ “بيبي” محصوراً طوال السنوات الـ 12 التي كان فيها رئيساً للوزراء في توسيع الاستيطان وفرض واقع جديد على الأرض، من أجل قطع الطريق نهائياً على إمكان قيام دولة فلسطينيّة مستقلّة يوماً. جاءت حرب القدس – غزّة الأخيرة لتثبت أن الملك عبد الله الثاني كان بعيد النظر في تشديده على خيار الدولتين من جهة، وعلى استحالة تجاهل طموحات الشعب الفلسطيني من جهة أخرى.

ساهمت في تراجع الدور الأردني أيضاً الأزمة الاقتصادية التي تعيش المملكة الهاشميّة في ظلّها منذ سنوات عدة. لم يهبط حجم المساعدات وتحويلات العاملين في الدول الخليجية للأردن فقط. عانى البلد أيضاً منذ 2003 من توقف الدعم النفطي العراقي للمملكة، وهو دعم كان في غاية الأهمّية لاقتصاد الأردن أيّام صدّام حسين.

لا يمكن الفصل بين عودة الأردن الى الواجهة وشخصيّة عبد الله الثاني نفسه، وذلك منذ اعتلائه العرش عام 1999. لم يكن صدفة أن من بين أوّل الاتصالات التي أجراها الرئيس جو بايدن، بعيد دخوله البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني (يناير) الماضي، ذلك الاتصال مع العاهل الأردني. لم يسبق هذا الاتصال أي اتصالات أخرى مع الزعماء العرب، وكشف وجود علاقة شخصيّة قديمة بين بايدن وعبد الله الثاني الذي حرص منذ صعوده الى العرش على إقامة علاقات وثيقة وشخصيّة مع الأعضاء البارزين في الكونغرس الأميركي. كان بايدن الذي دخل مجلس الشيوخ عام 1973 بين أبرز هؤلاء.

خسر الأردن الكثير من أوراقه مع التغيير الذي حصل في العراق، لكنّه بدأ يستعيد بعضاً منها في ضوء تحسّن العلاقة بين عمان وبغداد في ضوء التنسيق العراقي – المصري – الأردني. ظهر ذلك من خلال القمة التي انعقدت في بغداد أخيراً وشارك فيها عبد الله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.

جاء رحيل نتنياهو وحلول نفتالي بينيت مكانه ليسهلا عودة المياه الى مجاريها بين الأردن وإسرائيل. حصل اتفاق في شأن المياه بين البلدين حديثاً. وقد زار بينيت عمّان سرّاً قبل أيّام للاجتماع مع عبد الله الثاني، وليس مستبعداً عقد لقاء آخر بينهما في واشنطن قريباً. سيكون بينيت في واشنطن في الوقت الذي سيكون عبد الله الثاني فيها أيضاً.

في النهاية، الدور الأردني دور طبيعي. ما لم يكن طبيعياً هو تلك الحملة على الأردن التي شنتها إدارة ترامب الساعية الى صفقة وهميّة سُمّيت “صفقة القرن”. لم تكن الأسس التي قامت عليها تلك الصفقة طبيعية. لذلك وُلدت تلك الصفقة ميتة. كان لا بدّ من العودة إلى الواقع، هذا الواقع يعني الاعتراف بالدور الطبيعي للأردن، وهو دور يستحيل تجاهله، حتّى في جنوب سوريا، نظراً الى أنّ الأردن ليس سوى قطعة منه لا أكثر ولا أقلّ…

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …