بقلم: أنس بن فيصل الحجي – اندبندنت عربية
الشرق اليوم– تشير البيانات خلال 20 عاماً، منذ عام 2000 وحتى عام 2020، إلى أن كندا ضاعفت إنتاجها من النفط والمكثفات. وبحلول عام 2019، ضاعفت الولايات المتحدة إنتاجها النفطي، إلا أن انخفاض الإنتاج في عام 2020 جعل الزيادة أقل من الضعف. وجاءت أغلب الزيادة في السنوات العشر الأخيرة، مدعومةً بارتفاع أسعار النفط بشدة، ما بين عامَي 2005 و2014، ما عدا فترة الأزمة المالية في 2008 و2009. وأسهمت أمور أخرى في هذا النمو أهمها التطور التقني، والملكية الخاصة للموارد في الولايات المتحدة، والحرية الاقتصادية.
وتلفت بيانات شركة النفط البريطانية التي صدرت حديثاً إلى أن إنتاج الولايات المتحدة من النفط والمكثفات زاد بمقدار 5.83 مليون برميل يومياً في عشر سنوات ما بين 2010 و2020، ليصل إلى 11.31 مليون برميل يومياً. كما ارتفع إنتاج كندا بمقدار 1.62 مليون برميل يومياً، في الفترة ذاتها، ليصل إلى 4.47 مليون برميل يومياً في 2020. وهذه الأرقام هي الزيادة الصافية ولا تتضمن التعويض عن الانحدار في إنتاج الآبار أو ما يمكن تسميته بمعدلات النضوب. وبما أن آبار النفط الصخري في الولايات المتحدة تعاني معدلات نضوب عالية، فإن الزيادة الكلية في إنتاج النفط الأميركي تتجاوز 7.3 مليون برميل يومياً. وهنا لا بد من ذكر أن السيارات الكهربائية تحتاج من 30 إلى 40 سنة كي تخفض الطلب على النفط بهذه الكمية. والسؤال في هذا السياق هو: إذا كانت صناعة السيارات الكهربائية “العالمية” تحتاج إلى تخفيض الطلب على النفط، ما بين 30 و40 سنة، وهي كمية جلبتها صناعة النفط الصخري في بلد واحد في أقل من عشر سنوات، إذاً ما التقنية الأكثر تأثيراً وفعالية في أرض الواقع؟
وتشير البيانات أيضاً إلى أن العراق زاد إنتاجه من النفط والمكثفات بنحو 1.62 مليون برميل يومياً في الفترة نفسها، وهي تقارب الكمية التي أضافتها كندا. وتأتي هذه الزيادة على الرغم من الوضع السياسي المضطرب، وانعدام الأمن. وهذا يذكرنا بدرس تاريخي مهم: صناعة النفط ليست متقدمة تقنياً فقط، وإنما تستطيع الاستكشاف والتنقيب والاستخراج حتى في أكثر الأماكن صعوبة من حيث التضاريس والطقس والأوضاع الأمنية، والأدلة على ذلك حول العالم كثيرة. كل ما تريده الشركات العالمية هو وضوح واستقرار الوضع القانوني واستقرار الوضع المؤسساتي الذي يضمن حقوقها. لهذا وجدنا اهتماماً كبيراً من الولايات المتحدة والدول العظمى منذ إسقاط نظام صدام حسين بصياغة الدستور وتشكيل نظام حكومي-مؤسساتي.
وارتفع إنتاج النفط والمكثفات في الدول الخليجية أيضاً، في كل من السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان في الفترة ذاتها. وعلى الرغم من كل التخفيضات التي قامت بها هذه الدول من خلال “أوبك+” في السنوات الأخيرة، ارتفع إنتاج السعودية بنحو مليون برميل يومياً، بينما ارتفع إنتاج الإمارات بنحو 484 ألف برميل يومياً، والكويت بمقدار 131 ألف برميل يومياً، وقطر بمقدار 51 ألف برميل يومياً، وعمان بمقدار 86 ألف برميل يومياً. وارتفع إنتاج روسيا بكمية صغيرة إذا ما قورنت بإنتاج روسيا الكبير، إذ بلغت الزيادة 41 ألف برميل يومياً فقط.
في الفترة ذاتها، انخفض الإنتاج في فنزويلا وإيران والمكسيك والصين والنرويج. إذ انخفض إنتاج فنزويلا ما بين عامَي 2010 و2020 بمقدار 2.2 مليون برميل يومياً. ويشكل الإنتاج الحالي 17 في المئة فقط مما كانت تنتجه فنزويلا في عام 2000. ويعود هذا الانخفاض إلى النظام السياسي القائم الذي نتج عنه طرد آلاف الموظفين والمهندسين والإداريين من شركة النفط الفنزويلية في عام 2002، وتوظيف موالين للنظام مكانهم من دون أي معايير للكفاءة، واستتزاف موارد الشركة المالية وإنفاقها على البرامج الاجتماعية بهدف الحصول على تأييد شعبي للنظام، الأمر الذي منع الشركة من القيام باستثمارات كافية، ليس للتعويض عن الإنتاج فقط، بل حتى منعها من أعمال الصيانة. ونتج عن تدهور الوضع إهمال كبير لقطاع الكهرباء الذي أثّر بدوره في إنتاج شركة النفط الفنزويلية. ولا يمكن إنكار دور العقوبات الأميركية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، والتي تضمنت منع شركة النفط الفنزويلية من تسويق نفطها في سوقها الرئيسة، الولايات المتحدة، كما منع فنزويلا من الحصول على البنزين الطبيعي، وهو مادة نفطية خفيفة جداً من السوائل الغازية تُخلَط مع النفط الثقيل لتمييعه.
كما انخفض إنتاج إيران بمقدار 1.338 مليون برميل يومياً، في الفترة نفسها بسبب العقوبات الاقتصادية المتكررة والمتراكمة. وأسهمت العقوبات في وقف الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط، كما منعت شركة النفط الإيرانية من الحصول على قطع الغيار اللازمة لحقول النفط. ومنعت العقوبات إيران من الحصول على جزء من إيراداتها النفطية، إذ أجبرت الدول المستوردة على وضع الإيرادات في حسابات بنكية خاصة. هذه الأموال ستحصل عليها إيران بمجرد توقيعها على اتفاق نووي جديد مع إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي. وانخفض إنتاج المكسيك بمقدار 872 ألف برميل يومياً. ويعود هذا الانخفاض إلى أسباب عدة أهمها أسباب جيولوجية، إلا أن الوضع العام في المكسيك كان وما زال غير مشجع للاستثمار الأجنبي، إضافة إلى الفساد الإداري المستشري في البلد، وأعمال العنف من قبل عصابات تجار المخدرات.
وانخفض إنتاج النفط في كل من الصين والنرويج. وحاول البلدان زيادة الإنتاج في الفترات الأخيرة، التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة طفيفة في إنتاج النرويج، بينما تمنع انخفاض إنتاج النفط في الصين.
دور النفط الصخري
ارتفع إنتاج أكبر 12 دولة منتجة للنفط في العالم بمقدار ستة ملايين برميل يومياً بين 2010 و2020. وارتفع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة بمقدار ستة ملايين برميل يومياً. وتقدَّر الطاقة الإنتاجية الفائضة التي يمكن تفعيلها خلال 90 يوماً واستمرارها بعد ذلك نحو ستة ملايين برميل يومياً.
هذا يعني أنه لولا النفط الصخري لكان الوضع حالياً مشابهاً لما حصل في عامي 2007 و2008 عندما ارتفعت أسعار النفط بشكل صاروخي. ولكن يمكن الرد على هذه الفكرة بأنه لولا ثورة النفط الصخري لما تجرأ الرئيس ترمب على فرض عقوبات صارمة على كل من إيران وفنزويلا وروسيا، ولما استطاع منع وصول النفط الفنزويلي إلى الولايات المتحدة. ومن ثم فإن إنتاج إيران وفنزويلا تحديداً سيكون أكبر بما لا يقل عن أربعة ملايين برميل يومياً.
نظرة مستقبلية
أغلب الزيادة في إنتاج النفط مستقبلاً ستكون مركزة في منطقة الخليج (السعودية، والإمارات، والكويت، والعراق، وإيران) وأميركا الشمالية (الولايات المتحدة، وكندا).
سيرتفع إنتاج النفط الصخري مع بقاء أسعار النفط مرتفعة، كما سيرتفع إنتاج النفط الكندي حتى لو لم تُبنَ أنابيب إضافية. إلا أنه سيرتفع بشكل أكبر إذا بُني الأنبوب العابر الجبال، الذي يصل بين حقول ألبرتا ومواني بريتيش كولومبيا في غرب كندا. إلا أن إنتاج كلتا الدولتين لن ينموَ بالشكل الذي نما به في السنوات العشر الأخيرة، وستظل المكسيك تكافح من أجل وقف هبوط إنتاجها.
أما في أميركا اللاتينية، فإن فنزويلا لن تستطيع العودة إلى إنتاج 3.1 مليون برميل يومياً إلا بعد سنين طويلة، وتغييرات هيكلية كبيرة. أي زيادة في إنتاج كولومبيا والإكوادور والبيرو ستكون محدودة، وإنتاج هذه الدول مهدد بالانخفاض. الزيادة من البرازيل في مياهها العميقة ستكون محدودة أيضاً.
وتستطيع إيران إضافة نحو مليوني برميل يومياً في غضون سنتين أو ثلاث إذا رُفعت العقوبات. أما العراق، فإن توافرت ظروف مواتية يمكنه رفع إنتاجه إلى نحو 5.5 مليون برميل يومياً.
وسيظل نمو إنتاج النفط في شمال وغرب أفريقيا محدوداً، إلا أنه يمكن لليبيا أن ترفع إنتاجها إلى نحو 1.9 مليون برميل يومياً إذا توافرت الاستثمارات العالمية.
البيئة والحوكمة والمسؤولية الاجتماعية
يبالغ البعض في آثار تبني أو فرض سياسات البيئة والحوكمة والمسؤولية الاجتماعية، في إنتاج النفط والغاز. فالشركات ستنظر في تاريخها وستحسب حساب كل ما كانت تفعله في الماضي ولكن يمكن تصنيفه الآن تحت هذه البنود الثلاثة، ومن ثم فلا أثر له في أرض الواقع. كما ستقوم الشركات الكبيرة والمتوسطة بالتخلص من بعض أصولها التي تؤثر سلباً في هذه الأمور، ما يجعلها متوافقة مع الشروط القانونية أو الإرشادات التي وضعتها مجالس إدارات هذه الشركات. التخلص من هذه الأصول يعني بيعها إلى شركات أصغر أو شركات في بلاد أخرى. هذا يعني أن الإنتاج سيستمر على كل الحالات. المشكلة الآن هي أن الشركات الصغيرة أو الأجنبية لن تلتزم الشروط ذاتها، ومن ثم فإن الأمور المتعلقة بالبيئة والحوكمة والمسؤولية الاجتماعية قد تسوء.
الطلب على النفط
الحديث عن نمو الإنتاج وأماكن هذا النمو لا معنى له من دون الحديث عن الطلب عن النفط. ولأن الحديث في هذا المجال ذو شجون، فلا مجال للتفاصيل في هذا المقال حتى لا يطول. خلاصة الأمر أن الطلب على النفط سينمو بشكل أكبر مما تتوقعه الأغلبية. وسبب ذلك أن هناك مبالغة في كل محاولات استشراف آثار سياسات التغيّر المناخي والحياد الكربوني، على الطلب على النفط. فالطلب على النفط سينمو بأكثر من المتوقع، إلا أن هذا النمو سيتباطأ مع الزمن، وسيكون أقل من ذي قبل.
وإذا نظرنا إلى الأرقام المتوقعة لنمو إنتاج النفط مقابل أرقام نمو الطلب على النفط، فإنه من الواضح أننا مقدمون على أزمة طاقة كبيرة بسبب شح الإمدادات. المشكلة أنه حتى لو أدرك البعض هذه المشكلة وحاول تلافيها، فإن البنوك والمؤسسات المالية لا ترغب في تمويل ضخم لهذه المشاريع. لهذا فإن القطاع المالي سيكون هو السبب المباشر في أزمة الطاقة المقبلة.