الشرق اليوم– بعد انتخاب إبراهيم رئيسي، رئيساً جديداً للحكومة الإيرانية، أثيرت مخاوف داخلية في إيران حول قدرته على إدارة ملفات صعبة ومعقدة ليس على الصعيد الداخلي وحسب، بل على الصعيد الخارجي، هذه الملفات تشكل له تحديات في غاية الدقة والأهمية، وتؤثر بشكل أو بآخر على الوضع الإيراني، خاصة على القطاع الاقتصادي وبالتالي على الحياة المعيشية للمواطنين الذين يواجهون ظروفا صعبة للغاية، بسبب البطالة والغلاء والفقر الذي ينهش بجسد المجتمع.
حيث لا يمتلك رئيسي، تجربة سياسية، حيث إنه شغل طوال حياته المهنية مناصب في سلطة القضاء فقط، كما أن سمعته سيئة في هذا المجال، وهو متهم بالمشاركة في إصدار أحكام الإعدامات الجماعية في صيف 1988.
إلى ذلك، سلّطت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية “إرنا” الخاضعة لحكومة الرئيس حسن روحاني الذي تنتهي ولايته في مطلع أغسطس المقبل، الضوء على التحديات التي تواجه حكومة إبراهيم رئيسي وذلك من وجهة نظر المراقبين الإيرانيين.
وتوقّفت الوكالة الإيرانية عند خمسة تحديات، اعتبرتها الأهم بين سائر التحديات التي تنتظر رئيسي على صعيد السياسة الخارجية، وهي “تأثير التنسيق بين ضفتي الأطلسي على إيران”، و”رأب الصدع مع دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية”، و”القلق من الفراغ الأمني في أفغانستان”، و”التصديق على اللوائح المتعلقة بمجموعة العمل المالي (FATF)”، و”إنجاح المفاوضات النووية في فيينا في حال استمرارها”.
1- إحياء الاتفاق النووي كضرورة ملحة لرفع العقوبات
ورأت الوكالة أن إحياء الاتفاق النووي في الأسابيع القليلة المتبقية من عمر حكومة حسن روحاني ليس بعيد المنال، ولكن مصيره سيُترك لحكومة إبراهيم رئيسي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في محادثات فيينا خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
يذكر أن الرئيس المقبل لإيران ربط خطته لتعزيز وتوسيع السياسة الاقتصادية الإيرانية بإلغاء العقوبات، حيث قال رئيسي في أول مؤتمر صحافي له بعد فوزه: “بالنسبة إلى رفع العقوبات، يجب أن أقول إن أي حكومة تتولى مقاليد الحكم ينبغي عليها العمل على إلغاء العقوبات الجائرة بقوة”. ورغم تفاؤل حكومة روحاني وإشاراتها إلى احتمال إلغاء العقوبات بعد 6 جولات من المحادثات في العاصمة النمساوية منذ أبريل الماضي، إلا أن بعض النقاط لم يتم التوصل لاتفاق حولها بعد، حيث تطالب طهران أولاً بإلغاء العقوبات التي لا ترتبط بالملف النووية، وبالتحديد تلك التي تتعلق بحقوق الإنسان والإرهاب.
2- التناسق عبر الأطلسي بين أوروبا وإدارة بايدن
يعتقد الكثير من المراقبين أن النهج الدبلوماسي الإيراني “المتوجه نحو الشرق” سيبقى مستقراً في ظل رئاسة إبراهيم رئيسي وأن طهران ستستمر في تطوير العلاقات مع الصين وروسيا. ويُعبر المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي “المنظر الأول” لسياسة “التوجه نحو الشرق”.
في موازاة ذلك، النهج الإيراني نحو الغرب لن يتغير كثيراً. وفي هذا المجال سوف تواجه حكومة إبراهيم رئيسي تحدياً مهمهاً نظراً لقيام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن برأب الصدع الذي تركته إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، بين ضفتي الأطلسي أي مع الشركاء الأوروبيين. لذلك أشارت وكالة “إرنا” إلى أن حكومة إبراهيم رئيسي ستواجه المزيد من التنسيق داخل المحور الغربي لمواجهة طهران، بعد التقارب بين أوروبا والولايات المتحدة.
يذكر أن أوروبا تؤكد، كما تفعل الولايات المتحدة مراراً، على ضرورة الإبقاء على العقوبات المفروضة على إيران والمتعلقة بحقوق الإنسان والإرهاب، بالإضافة للضغط المشترك على طهران. وقد أدرج الغرب، بشقيه الأوروبي والأميركي، في عام 2011، اسماء 80 مسؤولاً إيرانياً في قائمة العقوبات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان، ومن ضمن هؤلاء المسؤولين المعاقبين إبراهيم رئيسي. وفي عام 2019، أضافت وزارة الخزانة الأميركية اسم إبراهيم رئيسي إلى قائمة العقوبات الخاصة بها.
من جهتها، تصر إيران على إلغاء هذه العقوبات في مفاوضات فيينا. وقد يكون هذا الإصرار الإيراني أحد العقبات أمام التوصل إلى توافق سريع حول إلغاء العقوبات المتعلقة بالأنشطة النووية الإيرانية.
3- مصير لوائح (FATF) لمكافحة غسيل الأموال
مجموعة العمل المالي (FATF) هي منظمة دولية تهدف لمحاربة تزوير العملات وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى منع تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل. ومن أجل ذلك تضع المجموعة توصيات ينبغي على الدول تطبيقها.
وكانت حكومة حسن روحاني قدمت أربع لوائح بهذا الصدد صادق عليها البرلمان السابق الذي كان المعتدلون والإصلاحيون يشكلون الأغلبية فيه. وبعد خلاف البرلمان مع مجلس صيانة الدستور، فقد أحيلت اللوائح إلى “مجلس تشخيص مصلحة النظام”، إلا أنها لا تزال على رفوف المجلس.
وموضوع انضمام إيران إلى “مجموعة العمل المالي” والموافقة على اللوائح الأربع يشكل أحد أكبر التحديات أمام حكومة إبراهيم رئيسي، وهو يعتبر ضرورة ملحة لتسهيل التبادل التجاري والمالي بين إيران وباقي دول العالم.
ومن ضمن هذه التحديات الموافقة على انضمام إيران إلى اتفاقية باليرمو (CFT) بشأن الجريمة المنظمة على المستوى الدولي والاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب.
ويرى المتشددون، الذين باتوا يتحكمون بكافة السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في إيران، أن الموافقة على هذه اللوائح لها تأثيرات جانبية وخاصة بشأن ما يتعلق بـ”مكافحة الإرهاب”. حيث قد يفسّر دعم إيران للمليشيات ولحلفائها بمثابة الدعم للإرهاب، ولهذا السبب لم يتم تمرير اللوائح الأربع التي باتت ضرورية لتسهيل التعامل التجاري والمالي بين إيران والعالم في حال رفع العقوبات.
4- الفراغ الأمني في أفغانستان
من المعلوم أن العلاقات بين إيران و”حركة طالبان” التي سيطرت مؤخراً على مساحات واسعة من أفغانستان من جهة، و”لواء فاطميون” (وهو ميليشيا أفغانية شيعية خاضت حروبا طائفية لصالح طهران في سوريا) من جهة أخرى، وطيدة للغاية.
وتدعم إيران “لواء فاطميون” عبر “فيلق القدس”، ذراع التدخل الخارجي للحرس الثوري، وهو أمر بات شبه بديهي. في المقابل، علاقات طهران بـ”حركة طالبان” أثارت مراراً قلق السلطات الرسمية الأفغانية والتي اتهمت طهران بتمويل وتسليح الحركة.
إلا أن وكالة “إرنا” رأت في انسحاب القوات الغربية من أفغانستان أحد التحديات التي لا يمكن لطهران تجاهلها، نظراً للفراغ أمني الذي يتركه هذا الانسحاب في الدولة المجاورة لإيران من الشرق. وأضافت الوكالة أن تصاعد الاشتباكات بين “حركة طالبان” والحكومة المركزية، فضلاً عن احتمال تصاعد الأنشطة الإرهابية في أفغانستان وانتشارها إلى دول الجوار بما في ذلك إيران، يشكل خطراً أمنياً حقيقياً.
يذكر أن ثمة خلافات بين حكومة روحاني والتيارات المعتدلة والإصلاحية الداعمة لها من جهة والمشتدين الذين باتت لهم الكلمة العليا في إيران من جهة أخرى، بشأن التعامل مع “حركة طالبان”. الفريق الأول متحفظ تجاه صعود “حركة طالبان” في أفغانستان. ومن هذا المنطلق حاولت طهران حل الخلافات بين “حركة طالبان” والحكومة الأفغانية، وفي هذا الإطار نظمت حكومة روحاني مؤخراً مؤتمراً بمشاركة الجانبين في العاصمة الإيرانية.
في الوقت نفسه، يحاول المتشددون في إيران إعطاء صورة مختلفة عن “حركة طالبان” وتقديمها على أنها تختلف عن التنظيمات الإرهابية المتطرفة، داعين إلى التعامل معها.
5- “ضرورة إزالة التوتر مع الجوار العربي”
شدد وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية “إرنا” في تقريرها على أن التحدي الأهم أمام حكومة إبراهيم رئيسي على صعيد السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة هو الحاجة إلى تهدئة التوترات مع الجيران، وخاصة الجيران الخليجيين و”تحديداً المملكة العربية السعودية”، حسب تأكيد الوكالة.
ورأت “إرنا” أن العلاقات بين السعودية وإيران تشهد توتراً منذ ما يقرب من نصف عقد من الزمن، بسبب عدد من القضايا، منها الخلافات حول الوضع في اليمن وسوريا ولبنان.
وبالرغم من قطع الرياض وعدد من الدول العربية علاقاتها مع إيران في عام 2016، في أعقاب الهجوم على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، حاولت الوكالة إلقاء اللوم على فوز دونالد ترمب بالرئاسة الأميركية في هذا التوتر. وتذرعت بـ”تركيز سياسة البيت الأبيض على المصالحة العربية الإسرائيلية” حسب تعبيرها. ثم أشارت إلى المحادثات بين السعودية وإيران خلال الأشهر القليلة الماضية، وكتبت: “شهدنا جولتين على الأقل من المحادثات السرية بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين”.
وتساءلت الوكالة، وهي تخاطب الحكومة الإيرانية المقبلة: “الآن السؤال الذي يطرح نفسه في الحكومة الإيرانية المقبلة: ما هو الاتجاه الذي ستتخذه العلاقات بين طهران والرياض؟ ووفقاً لتصريحات رئيسي حول سياسة إيران الخارجية والإقليمية في إدارته، فإنه سيعمل على تحسين العلاقات مع الجيران، بما في ذلك المملكة العربية السعودية”.
وأضافت الوكالة، التي تعكس الموقف الرسمي للحكومة: “بالنظر إلى التقدم المحرز في إصلاح العلاقات بين طهران والرياض خلال حكومة روحاني، من المتوقع أن تواصل الحكومة المقبلة هذا المسار وتشهد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الرئيسيين في العالم الإسلامي”.
وكان إبراهيم رئيسي قد قال في أول مقابلة صحافية له كرئيس مقبل للبلاد إنه “لا توجد عقبات أمام إعادة تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران” وإنه يضع “على رأس أولوياته في السياسة الخارجية تحسين العلاقات مع دول الخليج”. وعلّقت السعودية في 22 يونيو الماضي على هذه التصريحات بالقول إنها ستحكم على رئيسي من خلال الأفعال لا الأقوال، مشيرةً إلى أن من يقود السياسة في إيران هو المرشد علي خامنئي.
وحول المحادثات بين الرياض وطهران، أكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أن المحادثات بين البلدين بدأت، لكنها في مرحلة “استكشافية”.
وكان وزير الخارجية السعودي قد قال في مقابلة مع وكالة “فرانس برس” في 18 مايو الماضي: “بدأنا مناقشات استكشافيّة، إنها في بدايتها”، مضيفاً: “نأمل أن يرى الإيرانيون أن من مصلحتهم تكمن بالعمل مع جيرانهم بطريقة إيجابية تؤدي إلى الأمن والاستقرار والازدهار. ونحن في مرحلة مبكرة” من المناقشات.
وتابع: “دور المرشد الأعلى أساسي، لذلك لا نعتقد أنه سيكون هناك أي تغيير جوهري في سياسة إيران الخارجية”.
المصدر: العربية الحدث