بقلم: إيشان ثارور – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – في إطار تسارع وتيرة تقدم حركة «طالبان»، اجتاح متمردوها سلسلة من المناطق في شمال أفغانستان.
وفي تراجع يائس، فر أكثر من 1000 جندي من القوات الحكومية الأفغانية يوم الاثنين عبر حدود مقاطعة بدخشان في البلاد إلى طاجيكستان. وهذه هي الموجة الثالثة من نوعها للفرار إلى طاجيكستان خلال ثلاثة أيام فقط والخامسة خلال أسبوعين في منطقة كانت قبل عقدين من الزمن معقلاً للمقاومة المناهضة لطالبان.
تشكل الحدود الشمالية لأفغانستان علامة مقلقة على ما سيحدث في المستقبل. لذا، فقد أمر الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن، بتعبئة نحو 20 ألف جندي احتياطي على الحدود، بينما أفادت رويترز أن البلد -الأفقر في آسيا الوسطى- يفكر في إعداد مخيمات للاجئين في حالة تدفق المدنيين الأفغان الفارين.
وتركت السلطات الطاجيكية المعابر الحدودية التي تسيطر عليها «طالبان» الآن على الجانب الأفغاني مفتوحة، بما في ذلك الجسر الرئيسي فوق نهر بيانج في شير خان بندر، الذي بناه سلاح المهندسين بالجيش الأميركي عام 2007. ووفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال»، تقوم «طالبان» بالفعل بتحصيل عائدات الجمارك في البوابة التجارية الرئيسية بين البلدين.
منذ أن أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها في «الناتو» انسحابهم العسكري من البلاد -وهو الانسحاب الذي قد ينتهي في أواخر أغسطس -قامت الجماعة المتشددة التي تم طردها من كابول ثم استمرت في القتال لمدة 20 عاماً، في الانتشار في جميع أنحاء أفغانستان، لا سيما من خلال المناطق الريفية، حيث يُعتقد أن «طالبان» تسيطر على ما يقرب من ثلث المناطق ومراكز المقاطعات في البلاد البالغ عددها 421 مركزاً، وتقاتل من أجل المزيد.
وقال «أحمد جاويد»، عضو مجلس محافظة بدخشان، لصحيفة «واشنطن بوست»: إن «الوضع للأسف ليس جيداً». وأكد أن جميع مناطق بدخشان البالغ عددها 28 باستثناء منطقة واحدة أصبحت تحت سيطرة «طالبان» بينما تحاصر الجماعة المتمردة «فايز آباد»، عاصمة الإقليم. وأبلغت السلطات في كابول وأن القوات الحكومية أخِذَت على حين غرة، لكنها ستشن هجوماً مضاداً قريباً. في غضون ذلك، أخلت السلطات الأميركية قاعدة «باجرام» الجوية الشاسعة.
على مدى عقدين من الزمن، كانت القاعدة بمثابة مركز للعمليات العسكرية الأميركية التي يتم القيام بها على بعد حوالي 40 ميلاً شمال كابول. وقد مر عشرات الآلاف من القوات الأميركية عبر المجمع الضخم منذ إطلاق عملية «الحرية الدائمة» في عام 2001. وكانت قاعدة باجرام أيضاً موقعاً لمراكز الاحتجاز، حيث قام الجنود الأميركيون ومحققو وكالة المخابرات المركزية بتعذيب السجناء، وفقاً لتقارير الحكومة الأميركية والتحقيقات التي أجرتها مجموعات حقوق الإنسان.أثارت الفوضى في الأشهر القليلة الماضية قلق المراقبين.
وتحذر المنظمات الإنسانية من أزمة لاجئين جديدة محتملة إذا تعمق الصراع. وتخشى الجماعات الحقوقية أن تضيع الحريات وأوجه الحماية للنساء في المناطق التي يسيطر عليها المتشددون «المحافظون». وتستعد مجتمعات الأقليات، ولا سيما الهزارة ذات الأغلبية الشيعية، لرد فعل شرس من جانب «طالبان». قال عبد اللطيف، 22 عاماً، وهو طالب جامعي قُتلت شقيقته الصغرى في هجوم كثيف بالقنابل على مدرسة في حي هزارة في كابول، لزملائي: «حمل السلاح هو الخيار الأخير. نريد الحصول على التعليم، وحق التصويت في الانتخابات، والالتزام بالقوانين. لكن هؤلاء الإرهابيين يريدون تنفيذ إبادة جماعية ضد طائفتنا، ضد نجاحنا. إذا لم تستطع الحكومة حمايتنا نحن وعائلاتنا، فقد يكون ذلك هو خيارنا الوحيد».
لا يزال استيلاء «طالبان» على كابول شديدة التحصين بعيد المنال إلى حد ما. لكن القوى الإقليمية والمسؤولين الأميركيين يعتمدون على العملية السياسية المتوقفة بين المتشددين والحكومة الأفغانية لبدء الحياة في الأشهر المقبلة. حتى مع تقدم مقاتليها في أجزاء من البلاد، أشار مسؤولو طالبان إلى أنهم مستعدون لإعادة المشاركة في المحادثات. وأخبر المتحدث باسم «طالبان» ذبيح الله مجاهد «رويترز» يوم الاثنين الماضي بأن «محادثات السلام وعملية السلام ستتسارع وتيرتها في الأيام المقبلة.. ومن المتوقع أن تدخل مرحلة مهمة، ومن الطبيعي أنها ستتعلق بخطط السلام».
ما قد يقدمه هؤلاء لا يزال موضع تساؤل، حيث ينتظر المسؤولون في كابول رؤية مقترح مكتوب من «طالبان» بشأن رؤيتهم للسلام والمصالحة. في غضون ذلك، يبدو أن الوضع الأمني يزداد سوءاً. فقد أعرب وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف يوم الجمعة الماضي، عن قلقه من تغيير معادلة ساحة المعركة في شمال أفغانستان، وعن قلقه من أن الفصائل المرتبطة بتنظيم «داعش» تعمل الآن في المنطقة. وألقى باللوم في هذه التطورات جزئيا على «السلوك غير المسؤول لبعض المسؤولين في كابول» و«الانسحاب المتسرع لحلف شمال الأطلسي». من جانبه، فإن الرئيس جو بايدن حريص على طي الصفحة.
وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» في مقال افتتاحي إلى أن «بايدن كان منذ فترة طويلة متشككاً في مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان، وقد تمسك بهذا الموقف حتى مع تقلص عدد القوات والإنفاق المخصص لها بشكل كبير». وقال إن: وجهة نظره كانت أن الحرب ضد «طالبان» غير ضرورية ولا يمكن الانتصار فيها. لكن الانحدار من حالة الجمود إلى الهزيمة يمكن أن يكون حاداً وقاتماً».