A voter shows his electoral card, at a polling station in Angers, western France, for the first round of the French regional elections on June 20, 2021. (Photo by LOIC VENANCE / AFP)
الرئيسية / مقالات رأي / الجديد الضائع في الانتخابات الفرنسية

الجديد الضائع في الانتخابات الفرنسية

بقلم: د.نسيم الخوري – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – يمكن المجادلة بالقول إنّ «مقتل» الديمقراطية ومحنتها أو نكستها في أنظمة الحكم الديمقراطي العريقة، يظهر غالباً في برودة الناخبين أو عزوفهم عن المشاركة في الانتخابات ولو بأوراق بيضاء تنزلق في صناديق الاقتراع.
تتجلّى هذه الظاهرة عندما يوازن المواطنون بين المرشّحين لمنصبٍ الرئاسة أو للبرلمان ويقتنعون بأنّ لا جديد أو تغيير يُنتظر من إقبالهم على ممارسة هذا الحقّ الديمقراطي فيديرون ظهورهم. بالمقابل، نجد المواطنين يتزاحمون في الأنظمة الشمولية في مظاهر أو تظاهرات غريبة تشوّه فلسفة ما يُعرف بالرأي العام في ممارسة الناس حرياتهم وخياراتهم إذ غالباً ما تنطق الصناديق الانتخابية بفوز المرشح الواحد بما يتجاوز الـ 90 في المئة من الأصوات. تتوقف المسألة إذن بين الأنظمة ومواطنيها على إمكانية البحث عن الجديد يُضيف شيئاً إلى القديم.
أتطلّع إلى الدورة الثانية من نتائج الانتخابات المبكّرة التي أفرزتها فرنسا المناطقية والإقليمية في 2 حزيران/يونيو 2021 والتي مهّدت أو رسمت ملامح مفاجئة لما كان متوقّعاً، بالنسبة لهوية الرئيس الفرنسي المقبل في نيسان/ إبريل من العام المقبل. ملاحظة تاريخية مفاجئة جعلتنا نلمس لدى الفرنسيين إقراراً بفشل مثلّث أوّله فشل الاشتراكيين في الحكم منذ وصولهم قصر الإليزيه مع الرئيس فرانسوا ميتران الذي لم يكن اشتراكيّاً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وثانيه فشل اليمين الفرنسي وآخر رؤسائه نيكولا ساركوزي محكوم بدخول السجن. أمّا الفشل الثالث فنتابعه مع الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون الذي وصل إلى الإليزيه من خارج اليسار واليمين مُطلقاً حزباً جديداً هو «الجمهورية الى الأمام»، جاذباً الشابات والشباب حتّى المجنّسين منهم من بلاد متعددة وجاهداً بجعل فرنسا قاطرة المجموعة الأوروبية.
صحيح أنّ ماكرون باشر حملة ولايته الرئاسية الثانية مبشّراً بالقفز فوق «الكورونا»، وصحيح أنّه صُفع من شابٍ متطرّف صدم العين العالمية ولم يُحاكم سوى بشهري حبس مع وقف التنفيذ، وصحيح أنّ رأس الجمهورية قانوناً هو موظّف عامّ مثل أيّ مواطن عادي، لكنّ الأصحّ من هذا كلّه، أنّ صفعات أقوى ستتلقّاها الأحزاب كلّها ومرشّحوها نحو الإليزيه يمكنني ضمّها في أسئلةً مُقلقة ومحيّرة للناخبين الفرنسيين:
يتساءل الفرنسي اليوم: ماذا أجني إن انتخبت مجدّداً إيمانويل ماكرون وهو لم يمضِ بنا وبحزبه الجديد «إلى الأمام» خطوةً بعدما كان يسيطر الاشتراكيون والجمهوريون تاريخياً على 82% من الأصوات بالرغم من وجود 408 أحزاب في فرنسا؟
ما الفرق بينه وبين زعماء الأحزاب الاشتراكية والشيوعية والخضر التي فشلت قياداتها في بناء تحالفها وبرنامجها الموحّد وفشلت حتّى في الاتّفاق على مرشح واحد يجمعهم نحو الإليزيه؟
ما الفرق بين هؤلاء واليمين الفرنسي المتطرّف بقيادة المرشحة مارين لوبان التي زارت أمريكا في الانتخابات الأخيرة وهمّها شدّ العصب المتطرّف في فرنسا والبرلمان الأوروبي تحت عنوان واحد هو الهجرة و«الإسلاموفوبيا» مع أنّ والدها جان مؤسّس الحزب يعثّر خطاها داعياُ إلى استعادة ذكورية الحزب بما جعلها تُداهن بالاعتدال المصطنع فقط للوصول إلى الإليزيه؟
الأسئلة المتضمنة أجوبتها في العزوف الفرنسي الصادم عن ممارسة الاقتراع لأنّ قناعة الجماهير ترسّخت بعدم البحث عن الجديد. وهنا ملاحظتان:
جاءت نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع ضعيفة جدّاً مع أنّ الدولة بكلّ أجهزتها والأحزاب ضاعفت حملاتها للإقبال على التصويت إلى درجة الدعوة بإلزام المواطنين بالإقبال على الصناديق كواجب وطني، وحتّى فرض عقوبات مالية على كلّ مواطنٍ يرفض هذا الواجب، بما يعكّر نقاء الديمقراطية التي أرساها فلاسفة الأنوار والثورة الفرنسية، والنتيجة فتور فرنسي حيال الاستحقاق الانتخابيّ. لم تفُز الأكثرية «الماكرونية» الحاكمة بأية منطقة فرنسية الأمر الذي أسقطها نحو المرتبة الرابعة بين الأحزاب التقليدية. يمكن التفكير بالقلق الثابت بعد من الخوف من «الكورونا»، لكنّ المرجّح انعدام ثقة المواطنين بإدارة البلاد خصوصاً بعد سلسلة من الأزمات بدأت بـ«السترات الصفراء»، بعدما عبث ماكرون بملفات المتقاعدين، وانشغاله بأعباء قيادة قاطرة المجموعة الأوروبية المُثقلة بالأعباء المتنوّعة.
لم تعد تغرِي الفرنسيين ربّما في عصر العولمة، تلك المواجهات التقليدية المحصورة بين التطرّف والاعتدال، ولهذا فشلت مارين لوبن وحزبها «التجمّع الوطني» ولم تتمكّن من إنجاح ولو مرشّح واحد إلى رئاسة منطقة من المناطق أو إقليم، ولم يمنع ترشح ماكرون لولاية ثانية مثلاً من إقصاء مرشحي اليمين التقليدي المعتدل أبناء «الحزب الجمهوري» الذي خطف بحكمته وتعقّله الأنظار عندما احتفظ رؤساء المجالس المناطقية بمواقعهم القديمة بقوّة جعلتهم يتطلّعون بجديّة ملحوظة نحو الإليزيه. هكذا يبحث الفرنسيون إذن عن المشهد الجديد مكبّلاً بالمتغيّرات والمفاجآت القابلة للتبلور في المستقبل القريب.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …