بقلم: د. عبدالله العوضي – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – ما الذي يجعل من «طالبان» الإرهابية الآن حملاً وديعاً، مبرأة من ماضيها الدامي وحاضرها الذي لا يزال أدمى. السياسة هي «الملهمة» والمتهمة الوحيدة التي لديها القدرة الساحرة على قلب الحقائق والوقائع، دون أن يشار إليها بأصبع الاتهام.
عندما حكمت «طالبان» أفغانستان لمدة خمس سنوات، وسخر البعض منها على أساس أنها «طالِبين» قد تخرجا في مدرسة دينية في بيشاور استطاعا القفز على السلطة بكل سلاسة رغم وجود أحزاب أخرى أكبر منها وأقوى، فلم تكن إرهابية آنذاك مع اعتراف بعض الدول العربية والإسلامية بها، واستقبال وفودها الرسمية كبقية الدول الاعتبارية والطبيعية.
وقد تحولت «طالبان» بعد الغزو الأميركي المضاد على «غزو بن لادن» في 11/9 في لحظة فارقة من دولة معترف بها إلى حركة إرهابية بفعل من «القاعدة» جسيم.
هل تغير الوضع في أفغانستان بعد الإطاحة بـ «طالبان» إلى الآن، لقد جاءت إلى الحكم أكثر من حكومة، ولا زالت أفغانستان تعيش في زمن كان.
مر على الوجود الأميركي، أكثر من عقدين لم تستطع فيها تنزيل شعارها «كسب القلوب والعقول» على الواقع الأفغاني وأعني الشعب، وإن كسبت سياسياً بعض رموز الحكم، ولكن كسرت شعارها البراق.
بما أن الحرب على الإرهاب لم تأت أكلها ولم تحسم نتائجها، فإن المصالحة قد جاء وقتها وهو ما أشار إليه مؤخراً وزير الخارجية الأفغاني، عندما صرح بأن أفغانستان طلبت من السعودية المشاركة بدعم عملية السلام، وأن مؤتمر الدوحة بداية جيدة للمصالحة مع «طالبان»، لكنه غير كافٍ ويتطلب مشاركة دولية وإقليمية.
وأضاف أيضاً بأننا نتطلع بشدة للمشاركة البنّاءة مع أميركا، ونتفهم أن بايدن، سيكون منشغلاً بالقضايا المحلية، خصوصاً جائحة كورونا، لكن تصريحات كبار المسؤولين من الإدارة الجديدة كانت مشجعة لنا.
أما ما يخص «طالبان» فقد قدمت عدداً من الالتزامات في اتفاقها مع الولايات المتحدة، وكان أول التزام تعهدوا به هو قطع العلاقات مع الإرهاب الدولي، وأشاروا إلى أنهم سيلتزمون ثانياً بوقف إطلاق النار والحد من العنف، والثالث هو التوصل إلى تسوية سياسية مع أفغانستان.
وعلى هذا الأساس طلبنا من إيران وباكستان وكل الدول الأخرى التي لها علاقات مع «طالبان» أن تستغل ذلك في دعم الاستقرار في بلادنا ولتعزيز السلام.
ترى ما هي الرؤية الأميركية لـ «طالبان» في هذه المرحلة من تسلم بايدن زمام الأمور، ننقل ذلك من خلال تصريحات المبعوث الأميركي لأفغانستان الذي ناقش مع الحكومة وقف إطلاق النار وشكل النظام بعد المصالحة، وأكد أن واشنطن لا تريد الخروج من اتفاق الدوحة وإنما تنوي تعديله.
وكذلك بحث مراجعة عدد من بنود اتفاق الدوحة، من بينها توقيت انسحاب القوات الأميركية وعقد مؤتمر إقليمي حول عملية السلام في أفغانستان.
وتمضي المرجعيات الدولية وذات الاتجاه حين أكد أمين عام حلف الناتو، على أنه يجب على حركة «طالبان» التخلي عن العنف والوقف الفوري لعملياتها الإرهابية، ولن نقبل بأن تتحول أفغانستان إلى بؤرة إرهابية من جديد، وسنظل ملتزمين بواجباتنا تجاه حفظ الأمن في أفغانستان ولن نتركها تحارب الإرهاب بمفردها.
ما هو موقف «طالبان» من كل ذلك، فالناطق باسم المكتب السياسي للحركة يقول: أكدنا مراراً تمسكنا بالسلام.. والحكومة الأفغانية مسؤولة عن بعض الهجمات الأخيرة، وتصعد عسكرياً للإبقاء على القوات الأجنبية.
وكان أبرز تصريح لبايدن عن أفغانستان في مؤتمر ميونيخ للأمن، نسعى لأن لا تتحول أفغانستان إلى منطلق لتنظيم «القاعدة».