BY: Paul Heer
الشرق اليوم – عادة ما يقتصر الاهتمام بالكتب الأكاديمية التي تركز على تحليل خطابات قادة الحزب الشيوعي الصيني ووثائقه على جمهور ضيق، لكن كتابا جديدا للأكاديمي الأميركي راش دوشي، المدير المؤسس لمبادرة إستراتيجية الصين بمعهد بروكينغز والمسؤول عن ملف الصين في مجلس الأمن القومي بإدارة الرئيس جو بايدن، يعتبر استثناءً.
فبالرغم من أن غلاف الكتاب الذي نشر تحت عنوان “اللعبة الطويلة: إستراتيجية الصين الكبرى لإزاحة النظام الأميركي” (The Long Game: China’s Grand Strategy to Displace American Order)، ينص على أنه “لا يعكس بالضرورة وجهة نظر حكومة الولايات المتحدة أو مجلس الأمن القومي” فإن من المنصف افتراض أن محتواه سيوجه تقييم إدارة بايدن للتحدي الإستراتيجي الذي تمثله الصين لأميركا وسبل الرد عليه.
دوشي يسلط الضوء في كتابه على طبيعة ونطاق التحدي الذي تمثله الصين بالنسبة للولايات المتحدة، من خلال تتبع تطوره وتوسعه على مدى 30 عامًا الماضية. وتتمثل الفكرة الرئيسية للكتاب في أن بكين لديها “إستراتيجية كبرى” لتقويض نفوذ الولايات المتحدة شرق آسيا وحول العالم من خلال إضعاف التأييد الذي يحظى به النظام الدولي الذي تقوده أميركا، وتعزيز سبل التحكم التي تدعم بديلا صينيا لذلك النظام.
ويرى أن الإستراتيجية الصينية تلك خضعت لتغييرات عديدة بمرور الزمن، بناءً على حسابات بكين المتغيرة لميزان القوى بينها وواشنطن.
إن دوشي كان محقا عندما رأى في كتابه أن الصين “من غير المرجح أن تذعن عن طيب خاطر للنظام الأميركي إلى الأبد” لكن هذا لا يعني أن بكين تعتقد أن بإمكانها أن تحمل أميركا على الإذعان للنظام الصيني. ويقول “المنافسة بين الولايات المتحدة والصين بالدرجة الأولى حول من سيقود النظام الإقليمي والعالمي، ونوع النظام العالمي الذي قد ينشئه من موقع القيادة ذاك”.
كما يرى دوشي، المختص في الشأن الصيني والحاصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد الأميركية، أن محصلة اللعبة التي تخوضها الصين ضد الولايات المتحدة في العديد من الأماكن، وليس كلها، ستكون صفرا. لكنه ينقل رأيا لكبير الدبلوماسيين الصينيين، يانغ جيتشي، يقول بخلاف ذلك “إن نهج بكين سيتجاوز النظرية الغربية التقليدية للعلاقات الدولية القائمة على ألعاب محصلتها صفر”.
وينقل عن الزعيم السنغافوري لي كوان يو، قوله “الصينيون سيرغبون في مشاركة هذا القرن على قدم المساواة مع الولايات المتحدة” بدلاً من أن يكونوا “عضوًا فخريًا في الغرب”.
لكن يبدو أن دوشي، يغفل أو يرفض سيناريو آخر هو أن بكين قد تكون تسعى للخروج من التبعية للولايات المتحدة، ولكن دون افتراض أنها تستطيع بدورها إخضاع واشنطن، وتتطلع إلى دور مركزي في قيادة العالم دون الهيمنة عليه.
كما أن هذه الفرضية تتسق مع تركيز بكين الدائم والمستمر على “التعددية القطبية” وعلى إضفاء الشرعية على نموذج الحكم والتنمية الذي تنتهجه بدلاً من مطالبة الدول الأخرى بتبنيه. كما يعكس ذلك عدم اهتمام الصين عموما بطبيعة أنظمة الحكم في الدول الأخرى طالما أنها تتعامل مع الصين بشروط مقبولة ومفيدة لبكين.
ومن المنطقي أن تكون الصين تدرك أن الهيمنة على العالم من طرف بلد واحد لن تكون مستدامة، حتى لو كانت قابلة للتحقيق، وبالتالي فهي ليست بالضرورة مرغوبة. بكين، حتى وإن كانت لا تسعى لإنشاء نظام عالمي غير ليبرالي محوره الصين، فإنها ستكون منافسًا قويا لا يرحم للولايات المتحدة خلال سعيها لتعزيز ثروتها وقوتها ونفوذها في عالم متعدد الأقطاب.
ترجمة: الجزيرة