بقلم: منى المحروقي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- مرّ تصريح للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن طي صفحة الخلاف مع إيطاليا حول ليبيا دون أي ضجيج. بعكس الخلاف الذي تفجّر في السنوات الماضية بينهما وأخرج التنافس على البلاد الغارقة في الأزمات إلى العلن والذي ظل حديث وسائل الإعلام لسنوات.
من غير المعروف ما إذا كان كلام ماكرون دقيقا تماما باعتبار أن تجاوز الخلاف يحتاج إلى تقديم تنازلات من الطرفين أو من أحد الأطراف على الأقل، وهو أمر غير واضح حتى الآن، ولكن لا شيء يفسّر رغبة الجانبين في التعاون والعمل سوية كما قال الرئيس الإيطالي سوى اليأس الذي خلّفه التدخل الروسي والتركي والذي قضى على طموحات روما وباريس في ليبيا.
ولكن الواضح أن فرنسا وإيطاليا أدركتا أخيرا أن الصراع بينهما والذي أدى إلى ارتباك سياستهما تجاه الأزمة الليبية كان الثغرة التي تسلّلت منها كل من تركيا وروسيا.
يشخّص كثيرون الخلاف بين البلدين على أنه صراع بين “إيني” و”توتال” على التنقيب عن النفط والغاز في ما يلخصه البعض في صفقة حوض نالوت للتنقيب عن الغاز، وهي الصفقة التي حازت عليها فرنسا في 2010، قبل أن يتراجع نظام العقيد الراحل معمر القذافي على الصفقة التي تُتَّهَم إيطاليا بالعمل طيلة العقد الذي تلا سقوط القذافي على عرقلة استعادة فرنسا لها، حرصا منها على الاستئثار باستثمارات التنقيب عن الغاز في البلاد.
الواضح أن فرنسا وإيطاليا أدركتا أخيرا أن الصراع بينهما والذي أدى إلى ارتباك سياستهما تجاه الأزمة الليبية كان الثغرة التي تسلّلت منها كل من تركيا وروسيا
ومن المستبعد أن تكون باريس وروما قد توصلتا إلى صيغة لتقاسم المصالح في ليبيا بل الأقرب أن تكونا قد أجلتا الصراع أو الحل إلى حين استعادة السيطرة الأوروبية على الملف الليبي.
ورغم محاولة البلدين طيلة السنوات الماضية الحفاظ على مصالحهما من خلال انحياز كل بلد لطرف من أطراف الصراع، حيث دعمت فرنسا قائد الجيش المشير خليفة حفتر، في حين اختارت إيطاليا مساندة الإسلاميين وحلفائهم في المنطقة الغربية، وهو ما ساهم في تأجيج الصراع بشكل أو بآخر، إلا أن التطورات التي شهدتها ليبيا في السنوات الأخيرة أربكت رهانات البلدين.
فإيطاليا التي انحازت للإسلاميين ومصراتة اختارت في السنوات الثلاث الأخيرة، بعد أن سيطر حفتر على حقول النفط في المنطقة الوسطى والجنوب حيث يوجد حقل الفيل النفطي الذي تستثمر فيه شركة “إيني” وأعلن عن نيته السيطرة على طرابلس، مسك العصا من المنتصف، خاصة بعد أن وجه لها حفتر انتقادات علنية بشأن دعمها للسلطات في طرابلس.
وعندما دخلت تركيا بعتادها ومرتزقتها لمساندة حكومة الوفاق ضد الجيش اكتفت روما بمراقبة ما يجري قبل أن تدرك متأخرا أن نفوذها في المنطقة الغربية بات مهددا، بعد أن منعت القوات التركية المسيطرة على القاعدة الجوية – مصراتة جنودا إيطاليين من الدخول إلى القاعدة حيث يوجد مستشفى ميداني إيطالي يحرسه حوالي 400 جندي إيطالي.
وأرسلت إيطاليا في 2016 مستشفى عسكريا لمعالجة الجرحى المشاركين في عملية تحرير سرت من تنظيم داعش، تم تركيزه في قاعدة مصراتة العسكرية ما أثار الكثير من الشكوك بأن تكون البعثة الإيطالية بعثة عسكرية بحتة بغطاء إنساني. لكن عدم تحرّك تلك البعثة لمساعدة الجماعات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق على صدّ هجوم الجيش على طرابلس، عكس حذرا إيطاليا من الانخراط في الصراع بشكل مباشر وهو ما عرّضها لانتقادات واسعة خاصة من قبل الإسلاميين.
أما فرنسا ورغم انخراطها المحدود في المعارك إلى جانب الجيش إلا أنها لم تكن بالشجاعة الكافية لتعزيز دورها العسكري خاصة بعد محاولة الجيش الفاشلة للسيطرة على طرابلس، وهو ما استغلته روسيا لتعزيز تعاونها مع حفتر لينتهي الأمر بسيطرة مرتزقة فاغنر على المنطقة الوسطى والجنوب الذي يعد منطقة نفوذ تاريخية لباريس في ليبيا.
التصالح يعكس رغبة إيطالية في إضعاف النفوذ التركي غرب ليبيا من خلال الاستقواء بفرنسا المعروفة بمواقفها المناوئة للأطماع التركية في ليبيا وشرق المتوسط
وبالإضافة إلى مزاحمة روسيا لها في الجنوب، وفي حقول النفط في المنطقة الوسطى، خسرت فرنسا سرت المدينة الاستراتيجية التي تواترت الأنباء عقب الإطاحة بالقذافي بشأن وجود خطة فرنسية لتشكيل إقليم سرت الكبرى، تهدف بالأساس للسيطرة على ميناء المدينة الذي سيكون الشريان الرابط بين أوروبا وأفريقيا.
عرقلت الخلافات بين البلدين طيلة السنوات الماضية التوصل إلى موقف أوروبي موحد بشأن الأزمة الليبية، وهو ما جعل الليبيين يتهمون باريس وروما بتعميق الصراع في بلادهم.
طي صفحة الخلاف بين البلدين قد يعني أنهما اتفقا على دعم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، ما يعني أنهما تدعمان الاستقرار في البلاد وهو ما قد يعني أيضا أن فرنسا قد تخلت عن حليفها خليفة حفتر الذي مازال يلوح بالخيار العسكري وينكر وجود مرتزقة فاغنر في مناطق خاضعة لسيطرته.
وقد يعكس هذا التصالح أيضا رغبة إيطالية في إضعاف النفوذ التركي غرب ليبيا من خلال الاستقواء بفرنسا المعروفة بمواقفها المناوئة للأطماع التركية في ليبيا وشرق المتوسط.
ومن شأن هذه المصالحة أن تعزز الدور الأوروبي في ليبيا وتسهل التوصل إلى موقف أوروبي موحد للتصدي للوجود التركي والروسي ولدعم الاستقرار الذي يحتاجه الغرب للاستثمار في عدة مجالات وخاصة قطاع النفط والطاقة.