بقلم: حسن فحص – اندبندنت عربية
الشرق اليوم– مع وصول دونالد ترمب إلى الرئاسة، بدأت طهران تشعر بأن المرحلة الجديدة مع الإدارة الجمهورية لن تكون كسابقتها مع الإدارة الديمقراطية، خصوصاً أن ترمب لم يتأخر في توجيه رسائل واضحة إلى إيران خاصة ودول المنطقة عامة، عن التغيير الحاصل في استراتيجية التعامل مع قضايا منطقة غرب آسيا، إن كان في الزيارة الخارجية الأولى التي قام بها إلى السعودية، أو في اعلان التزامه بالوعود الانتخابية وقرار سحب القوات الأميركية من أفغانستان. تُضاف إلى ذلك، تداعيات القضاء على تنظيم “داعش” في العراق وبروز مؤشرات جدية حول وجود نوايات لتحويل أفغانستان إلى إحدى ساحات استيعاب بقايا هذا التنظيم وما تشكله من تهديد كامن لأمن منطقة آسيا الوسطى من إيران وصولاً إلى روسيا مروراً بالصين.
ورأى النظام الإيراني أن أي انسحاب من دون تنسيق معه من أفغانستان، وهو ما لجأ إليه ترمب على عكس سلفه باراك أوباما، يعني انقلاباً في المعادلات الأمنية في محيطه الحيوي، وقد تعزز هذا الشعور بعد عملية اغتيال قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني في العراق وما يعنيه ذلك من قرار أميركي واضح بتغيير قواعد الاشتباك، إضافة إلى إصرار ترمب على تفعيل الحوار المباشر مع حركة طالبان عبر مؤتمر الدوحة للاتفاق مع هذه الجماعة على آليات الانسحاب وتحديد دورها في مستقبل أفغانستان السياسي، وهي استراتيجية وإن كانت ذات أثر سلبي على الاستقرار الأفغاني الداخلي وعلى حساب قوة وسلطة الحكومة المركزية في كابول، إلا أن دورها الرئيس يصب في إطار رفع مستوى التوتر والمخاوف الأمنية لدى الدول المعنية بالوضع الأفغاني، أي إيران وروسيا والصين، التي تُعتبر المحطات الرئيسة في استراتيجية ترمب وإدارته في التعامل مع مصادر التهديد في منطقة غرب آسيا والشرق الأقصى. من البرنامجَين النووي والصاروخي والنفوذ الإقليمي لإيران مروراً بتمدد النفوذ الروسي في شرق أوروبا عبر بوابة القرم والأزمة الأوكرانية أو الشرق الأوسط والوجود العسكري في سوريا، أو في الحرب الاقتصادية مع الصين وما تشكله من خطر يهدد النفوذ والدور الاقتصادي الأميركي على المستوى العالمي.
وشكل مؤتمر الدوحة للحوار الأميركي – الطالباني، مصدر قلق حقيقي للنظام الإيراني، الذي نشط بشكل مكثف على خط الحوار الداخلي الأفغاني بين الحكومة بقيادتها الثنائية المؤلفة من الرئيس أشرف غني ورئيس اللجنة العليا للمصالحة عبدالله عبدالله، إن كان في العاصمة الأفغانية كابول بالزيارات التي قام بها وزير الخارجية محمد جواد ظريف وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، أو في اللقاءات التي استضافتها طهران لوفود من “طالبان” ثم استقبال عبدالله، إضافة إلى ممارسة دبلوماسية إقليمية باتجاه دولة قطر المستضيفة للحوار الأميركي مع طالبان.
وأعلنت طهران معارضتها لأي انسحاب أميركي يأتي نتيجةً لاتفاق ثنائي مع “طالبان” على حساب الحكومة الأفغانية وبعيداً من التفاهم والشراكة معها، واعتبرت أن استبعاد حكومة كابول عن أن تكون طرفاً ثالثاً في الاتفاق يعني خضوعها لشروط “طالبان” من دون أن تكون هذه الجماعة ملزَمة بتقديم أي تنازلات، بل ستكون لها القدرة على فرض شروطها كونها الجهة التي قادت التفاوض بشأن الانسحاب مع واشنطن واتفقت معها على آلية إدارة المرحلة المقبلة، تاركةً للحركة حرية الحوار مع الحكومة والاتفاق معها على آليات التعاون الثنائي ما بعد الانسحاب.
وتُعتبر الساحة الأفغانية منطقة نفوذ لـ “الحرس الثوري” وتحديداً “فيلق القدس”، لذلك فإن مؤسسة “الحرس” ترى أن قرار الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن، الاستمرار بالاستراتيجية التي وضعها سلفه بالانسحاب من هذا البلد وتحديد موعد شهر سبتمبر (أيلول) 2021 للانتهاء من ذلك، رفع من مستوى عمليات حركة طالبان، التي بدأت بالتصعيد بعد التوقيع على اتفاق الدوحة، مستغلةً حالة الضعف التي تسيطر على الجيش الأفغاني وغياب الدعم الذي كانت توفره القوات الأميركية وعدم قدرة الحكومة في كابول على تأمين مرتبات الجنود والدعم اللوجستي لهم في مناطق انتشارهم وعلى جبهات التماس مع مناطق نفوذ “طالبان” وسيطرتها.
لذلك لا تتردد مؤسسة “الحرس” عن الإعراب عن مخاوفها وقلقها الذي تتفق فيه مع عواصم دولية عدة والأمم المتحدة من عودة نفوذ “طالبان”، وهي ترى أن المسار الحالي في هذا البلد وسيطرة طالبان، يحمل الطابع نفسه الذي رافق صعود هذه الحركة في أواخر ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه هذه المرة يأخذ طابعاً أكثر تعقيداً، خصوصاً أن طالبان باتت تمتلك فهماً مختلفاً عن السابق للنظام الدولي ومعادلاته وتعقيداته وتداخلاته.
وعلى الرغم من توصيف قرار الانسحاب الأميركي بعد 20 سنة من الاحتلال بالهزيمة لواشنطن، وأن المنتصر هما طالبان وباكستان، ينصبّ الاهتمام الأساس لدى الدوائر الإيرانية المعنية بهذا التطور على تحديات الأمن القومي والظروف أو الشروط الجيوسياسية التي ستترك تأثيراً مهماً في السياسة الخارجية والأمن القومي لإيران.
ولا تتردد أوساط في “الحرس الثوري” في اتهام الحكومة الإيرانية وإدارتها الدبلوماسية بالتقصير في التعامل مع التطورات الأفغانية التي حصلت في السنوات الأخيرة. وهذا الموقف السلبي والانتقادي طاول أيضاً المواقف التي خرجت من بعض الجهات المحافظة التي تتحدث عن تغيير في “طالبان”، وأن وصولها إلى السلطة أو سيطرتها على أفغانستان لا يشكل خطراً على إيران.
إذاً، إن موقف “الحرس الثوري” يقوم على أن عودة “طالبان” ستسبب مشكلات لإيران وتهدد الأمن في شرق البلاد.