بقلم: هشام ملحم – النهار العربي
الشرق اليوم- في ذكرى مرور ستة أشهر على اجتياح مبنى الكابيتول من قبل مئات المتطرفين والعنصريين من أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أصدر الرئيس جو بايدن بياناً جاء فيه انه بعد ستة أشهر من هذا الحدث الذي صعق الأمة والعالم، “نستطيع أن نقول بشكل قاطع إن الديموقراطية هي التي انتصرت، وعلينا جميعاً أن نواصل العمل لحمايتها والحفاظ عليها”. وقال بايدن إن الاجتياح “مثّل أزمة وجودية، وامتحاناً لقدرة ديموقراطيتنا على البقاء على قيد الحياة، وهو تذكير محزن بأنه لا يوجد أي شيء مضمون بالنسبة لديموقراطيتنا”.
ما لم يقله الرئيس بايدن هو أن الديموقراطية الأمريكية خرجت من تلك المعركة – الأخطر منذ الحرب الأهلية قبل 150 سنة – مجروحة ومرهقة، وأن احتمالات معافاتها في المستقبل المنظور غير مضمونة. بعد ستة أشهر على الزلزال الوجودي الذي زعزع واشنطن في ذلك اليوم البارد في السادس من كانون الثاني (يناير)، لا تزال تداعياته السياسية والأمنية والثقافية تتردد في جميع أنحاء البلاد. ولا تزال التحقيقات والاعتقالات التي طاولت أكثر من 540 شخصاً وجهت إليهم التهم بالمشاركة في الاجتياح، الذي أدى الى مقتل 5 أفراد، وجرح المئات، بمن فيهم أكثر من مئة شرطي، مستمرة. ولا يزال مكتب التحقيقات الفدرالي (الأف بي آي) يبحث ميدانياً، ومن خلال مراجعة آلاف الأشرطة والصور عن حوالي 300 مشتبه بضلوعهم في الاجتياح، من بينهم المسؤول عن وضع متفجرات أمام مكاتب الحزبين الديموقراطي والجمهوري في واشنطن، نظراً لأن مئات المتطرفين كانوا يلبسون الأقنعة.
المفارقة المحبطة لكل أمريكي يؤمن بالديموقراطية هي أن مرور الوقت بدلاً من أن يضع الرئيس السابق ترامب الذي حرّض على الاجتياح وأنصاره في موقع محرج ودفاعي، وبدلاً من أن يدحض كلياً “الكذبة الكبرى” التي أدت الى الاجتياح، أي أن الديموقراطيين سرقوا الانتخابات من ترامب، حقق العكس، وساعد ترامب والجمهوريين على القيام بهجوم مضاد يمكن أن يؤدي الى نتائج كارثية في الانتخابات النصفية في 2022 والانتخابات الرئاسية في 2024.
بعد ستة أشهر من الاجتياح، لا يزال ترامب القائد الفعلي للحزب الجمهوري والقادر على التأثير بعمق في قاعدة الحزب التي تدين بالولاء له. ولا تزال استطلاعات الرأي تبيّن أن أغلبية الناخبين الجمهوريين لا يعتبرون الرئيس بايدن رئيساً شرعياً. وفور تنصيب بايدن، بدأت عشرات المجالس التشريعية المحلية في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون، إما بعمليات عقيمة لإعادة فرز الأصوات في بعض مقاطعاتها (على الرغم من أن عمليات إعادة فرز الأصوات تمت في ولايات عديدة، وأحياناً لأكثر من مرة من دون الكشف عن أي انتهاكات أو تزوير يذكر) او، وهذا هو الأخطر، إعادة صياغة القوانين المحلية للانتخابات. وتهدف هذه المحاولات الى خلق العقبات الإدارية واللوجستية – تقليص عدد ساعات الاقتراع، تقييد حرية الناخب في الاقتراع البريدي، او الإصرار على إظهار بطاقات قيادة السيارات الأمر الذي يحد من مشاركة المسنين والفقراء والمقيمين في المناطق الريفية – وهي اجراءات تحد من اقتراع الشرائح الاجتماعية التي تصوت عادة للمرشحين الديموقراطيين.
وشهد الحزب الجمهوري ما يمكن وصفه “بعملية تطهير” لكل القياديين الجمهوريين المحليين، وحتى بعض أعضاء الكونغرس من الذين رفضوا “الكذبة الكبرى” أو الذين صدّقوا على نزاهة الانتخابات في ولاياتهم، بمن فيهم أولئك الذين رفضوا ضغوط ترامب المباشرة عليهم لتعديل وتزوير نتائج الانتخابات لصالحه. أبرز ضحايا عملية التطهير هذه كانت النائبة اليزابيث تشيني التي حملّت ترامب مسؤولية الاجتياح العنيف للكابيتول، ورفضت التوقف عن انتقاد محاولات الرئيس السابق تقويض الديموقراطية الأميركية، الأمر الذي كلّفها مركزها القيادي الثالث في الحزب الجمهوري في مجلس النواب.
الجمهوريون في مجلس الشيوخ، نجحوا في تقويض محاولات الديموقراطيين تشكيل لجنة تحقيق مستقلة ومشتركة من الحزبين وتتمتع بصلاحيات واسعة مماثلة لتلك التي تمتعت بها اللجنة التي حققت بهجمات 11 أيلول (سبتمبر) الإرهابية في 2001 بحجة وجود تحقيقات جارية تقوم بها وزارة العدل. هذه المعارضة أرغمت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي على تشكيل لجنة منتقاة من أعضاء مجلس النواب لإجراء تحقيق خاص بجذور وأبعاد الاجتياح. ومن المتوقع أن يقوم الأعضاء الجمهوريون في اللجنة، وبعضهم من غلاة المناصرين لترامب بتحويل المداولات الى سيرك سياسي رخيص.
وكشف تقرير لصحيفة “الواشنطن بوست” مؤخراً أن حوالي ثلث المرشحين الجمهوريين الذين تقدموا بأوراق ترشيحهم الرسمية للانتخابات النصفية في 2022 لمقاعد في مجلسي النواب والشيوخ، والبالغ عددهم 700 مرشح “يؤمنون بادعاءات ترامب الكاذبة حول هزيمته”. هيمنة هذه الكذبة الكبرى على السجال السياسي في أوساط الجمهوريين تحولت الى الموقف الانتخابي الرئيسي للمرشحين الجمهوريين، ما يعكس أهمية هذه الكذبة في تعبئة الناخبين الجمهوريين في الانتخابات النصفية في 2022، والرئاسية في 2024. ويذكر أن 136 عضواً جمهورياً في الكونغرس، أغلبيتهم في مجلس النواب، رفضوا في 6 كانون الثاني (يناير) الماضي التصديق على انتخاب جوزف بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة.
بعض المسؤولين الديموقراطيين المحليين في هذه الولايات التي شهدت أو لا تزال تشهد هذه المحاولات الجمهورية لتعديل قوانين الانتخابات المحلية، بما في ذلك اعطاء هذه المجالس الجمهورية الموالية لترامب صلاحية التصديق على الانتخابات المقبلة، بدلاً من المسؤولين المنتخبين لهذا الغرض، يقولون إن الديموقراطية الأميركية ذاتها سوف تكون على المحك في انتخابات 2022.