بقلم: نوتو سونيتو
الشرق اليوم- في الأسبوع الماضي، قام وزير الخارجية الكوري الجنوبي، تشونغ إيوي يونغ، بأول زيارة له إلى جنوب شرق آسيا منذ تسلمه منصبه، حيث كانت الزيارات إلى فيتنام وسنغافورة وإندونيسيا تهدف إلى تفعيل “السياسة الجنوبية الجديدة” التي طرحتها كوريا الجنوبية وتعزيز التعاون في عدد من المسائل المُلحّة مثل السيطرة على وباء كورونا وإطلاق مسار التعافي.
منذ أن صاغت إدارة مون جاي إن “السياسة الجنوبية الجديدة” في عام 2017، تعرّضت هذه الخطة للانتقاد لأسباب عدة، منها غياب الأولويات الواضحة، وطبيعتها الحصرية، وتشديدها المفرط على المسائل الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن تقييمها المبهم للتداعيات السياسية المحتملة، وبسبب غموض نسبة نجاح “السياسة الجنوبية الجديدة”، بدأ البعض يتساءل عن احتمال تحقيق النتائج المنشودة بغض النظر عن وجود تلك السياسة، فردّت سيئول على هذه الانتقادات في المرحلة اللاحقة عبر طرح نسخة أخرى تشمل سبع مبادرات إضافية.
في ما يخص إندونيسيا، قد تكون المبادرة الخامسة التي تتعلق بتحسين نوعية الحياة عبر تطوير البنية التحتية أبرز جزء يتماشى مع أولويات رئيس إندونيسيا جوكو ويدودو، إذ تشكّل كوريا الجنوبية مصدراً مهماً للتنويع في إندونيسيا على مستوى تطوير البنى التحتية، وفي الفترة الأخيرة، عقدت الحكومتان محادثات حول تطوير نظام النقل بالسكك الحديدية في “بالي” والمرحلة الرابعة من خطة النقل الجماعي السريع في جاكارتا، وأعادت هذه المحادثات التأكيد على جهود إندونيسيا الرامية إلى تخفيف اتكالها على شركاء مثل الصين واليابان والولايات المتحدة.
على المستوى الجيوسياسي، لم يتضح بعد مدى تطابق النسخة المستحدثة من “السياسة الجنوبية الجديدة” مع رؤية رابطة أمم جنوب شرق آسيا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، علماً أن هذه الرؤية تمثل ردّ كتلة جنوب شرق آسيا على الاستراتيجية التي صاغتها الولايات المتحدة لهذه المنطقة، ويبدو أن أهداف المقاربتَين تتطابق بدرجة معينة، لكن أُعيقت طموحات سيئول بإرساء السلام والأمن في المنطقة بسبب الضوابط الجيوسياسية الخارجية وحدود “السياسة الجنوبية الجديدة” في هذا المجال، لا سيما البند المرتبط بالسلام. تتابع الولايات المتحدة، بصفتها واحدة من الحلفاء في هذه المعاهدة، أداء دور حاسم في خطة سيئول الأمنية، لذا يجب أن تتوخى الحكومة الحذر في طريقة تعاملها مع هذا الموضوع الدقيق.
بما أن التحديات التي يفرضها وباء كورونا ستطغى على المسائل الأمنية الأخرى على الأرجح، يجب أن يوسّع البلدان تعاونهما الدفاعي ويركّزا تحديداً على معالجة التهديدات غير التقليدية، بما في ذلك إدارة الكوارث، والأمن الإلكتروني، والتغير المناخي، فلا يزال الجانب البيئي في “السياسة الجنوبية الجديدة” محدوداً في الوقت الراهن، في حين تتطلع إندونيسيا إلى تطبيق خطة بيئية مستدامة لتحريك عجلة التعافي الاقتصادي بعد زمن الوباء. من الضروري إذاً أن تزيد النقاشات حول تحديات التغير المناخي لأن البلدين يملكان موارد كافية لمعالجة هذه المسألة. في ما يخص العلاقات بين الشعبَين، يجب أن يفهم المواطنون الكوريون حاجات إندونيسيا، وفي الفترة الأخيرة، أثار المسلسل الكوري الدراميRacket Boys استياء آلاف الإندونيسيين بعدما ناقش مسائل مثل سوء الضيافة الإندونيسية، فقد أثبتت هذه التجربة أن الخصوصيات المحلية هي جزء أساسي من طريقة التعامل مع العلاقة الثنائية، مما يعني أن “السياسة الجنوبية الجديدة” يجب أن تُركّز على تعزيز التفاهم المتبادل بين دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا وكوريا الجنوبية بدل أن يكون ذلك التفاهم أحادي الجانب.
الأهم من ذلك هو عدم حصر تنفيذ “السياسة الجنوبية الجديدة” بحكومة كوريا الجنوبية، وسيكون ضم أطراف غير حكومية أساسياً لضمان الإصغاء إلى مطالب “الشعب” وإشراكه في هذه العملية، حيث يملك مون جاي إن سنة واحدة لتنفيذ مبادرته في مجال السياسة الخارجية، لكن لا يقتصر التواصل بين إندونيسيا وكوريا الجنوبية على “السياسة الجنوبية الجديدة”، بل تتعدد المسارات التي تسمح للبلدين بتطوير علاقتهما المحورية.
بالاتفاق مع صحيفة الجريدة