بقلم: موريسيو كارديناس
الشرق اليوم- يجادل البراغماتيون بأن ثالوث المشاكل الذي تعانيه كولومبيا يمثل فرصة لتطوير أجندة إصلاح معقولة تعتمد على زيادة المشاركة السياسية، والتخلص التدريجي من البرامج الحكومية غير الفعالة، وسياسة مالية أكثر تقدمية، ولكن هذه النتيجة ليست مضمونة على الإطلاق.
في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى تعود إلى الحياة الطبيعية، سجلت كولومبيا، حتى الآن، أكبر عدد من حالات الإصابة والوفيات بكوفيد19 خلال الأسبوع الأخير من شهر يونيو، ومنذ أوائل شهر مايو، تسجل البلاد يوميا حالة وفاة واحدة بكوفيد19 في كل 100000 شخص، وهو ثلاثة أضعاف معدل الهند.
وفي غضون ذلك، اندلعت التوترات الاجتماعية في مدن كولومبيا، ففي أوائل مايو، أجبر الآلاف من المتظاهرين- العديد منهم من الشباب- على سحب الإصلاح الضريبي المقترح واستقالة وزير المالية لاحقًا، وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، خفضت وكالة (ستاندرد آند بورز) للتصنيف الائتماني تصنيف السندات الكولومبية من (ب ب ب) إلى (ب ب +)، وهو تصنيف دون مستوى المرتبة الاستثمارية، مما أضعف فرص البلاد في استعادة الاستدامة المالية.
وهذا الثالوث المتمثل في كوفيد19 المستمر، والاضطرابات الاجتماعية، والأزمة المالية ليس حِكرا على كولومبيا، إذ تواجه العديد من الاقتصادات النامية والصاعدة الأخرى، لا سيما في أميركا اللاتينية، مجموعة مماثلة من المشاكل، حيث يمكن أن يؤدي تفاقم أحدها إلى تفاقم المشكلات الأخرى.
ولكن هذه الأزمة ليست من أزمات أمريكا اللاتينية التقليدية التي تواجَه بحلول تكنوقراطية، بل يطالب المتظاهرون بتغيير النظام السياسي، ففي تشيلي، سيكون للمستقلين والأجانب اليد العليا في صياغة دستور جديد، وفي بيرو، يبدو أن بيدرو كاستيلو، اليساري الذي اشتغل مدرسا في السابق، والذي يدعو إلى تأميم الأصول الاستراتيجية، قد هز المؤسسة السياسية بأكملها بفوزه في الانتخابات الرئاسية في 6 يونيو، ولسوء الحظ، أدى الاستياء من السياسة التقليدية إلى موجة من الشعبوية الديماغوجية.
وفي كولومبيا، استمرت أعمال الشغب والاحتجاجات والإضرابات لمدة شهرين، ورغم تراجع التأييد الشعبي للمسيرات والمظاهرات، يبدو واضحا أن الناس غير راضين عن النظام السياسي، إذ أظهر استطلاع حديث للرأي أن 71% من الكولومبيين لا يتعاطفون مع أي من الأحزاب السياسية القائمة في البلاد.
ولا يزال اتجاه التغيير السياسي في كولومبيا غير مؤكد، وسيعتمد على كيفية تطور كل مشكلة من مشاكلها الثلاث، وفيما يتعلق بالوباء، كانت جهود التطعيم بطيئة بسبب تأخر الإمدادات، لكن وتيرتها بدأت تتسارع أخيرا، حيث استُخدمت نحو 12 مليون جرعة (واحدة لكل أربعة كولومبيين) حتى الآن. وبالوتيرة الحالية، يمكن تطعيم 60% من السكان بحلول أكتوبر 2021، ولكن التكاليف المرتفعة لعمليات الإغلاق المستمرة تشير إلى أن الاقتصاد سيعاد فتحه قبل ذلك بوقت طويل.
ويرتبط الانفجار الاجتماعي أيضا بالوباء وتأثيره الاقتصادي، إذ تفيد الإدارة الوطنية للإحصاء، أن ما يقرب من 5% من السكان، 2.1 مليون كولومبي، قد غادروا الطبقة المتوسطة أثناء الوباء، وأصبح 2.7 مليون آخرين من الفقراء أو المستضعفين معدومين الآن، وتشعر المجموعة الأولى بالإحباط وبخيبة أمل، أما الثانية فهي يائسة وغاضبة.
إن تفاقم التوترات الاجتماعية هو مايتسم به وضع النساء والشباب، فقد تراجع عدد النساء العاملات بنسبة 15% خلال الجائحة (مقارنة بانخفاض بنسبة 6% في صفوف الرجال)، وأدت عمليات الإغلاق وإغلاق المدارس إلى إبقاء العديد من النساء في منازلهن- حيث زاد العنف المنزلي- وقد ألحق الوباء أضرارا كبيرة بالقطاعات التي يعمل فيها الكثيرات منهن، مثل قطاع الخدمات، وفي الوقت نفسه، فإن 27% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و28 عاما- ثلثهم من النساء- لا يعملون ولا يدرسون.
وتسبب انسداد الطرق الحاسمة الأهمية، بما في ذلك تلك المؤدية إلى (كالي) وميناء (بوينافينتورا) في المحيط الهادئ، في التأثير سلبا على الاقتصاد. وتحدد فيديساروللو، وهي مؤسسة فكرية مستقلة، تكاليف الإضرابات حتى الآن عند 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 5.4% في مايو، بسبب اضطرابات في الإمدادات.
وتم تعليق المفاوضات بين الحكومة وممثلي لجنة الإضراب في أوائل يونيو، ومن المرجح أن تفاقم قائمة مطالب اللجنة، والتي تشمل دعم الدخل الذي يعادل الحد الأدنى للأجور لـفائدة 42.5% من السكان الذين يعيشون الآن تحت خط الفقر، أزمة مالية حادة بالفعل، ومن المتوقع أن يبلغ العجز الحكومي 8.6% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام و7% في عام 2022، وسيرتفع الدين العام إلى 69% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 بعد أن كان 50% في عام 2019.
ورداً على ذلك، اقترحت الحكومة إصلاحها الضريبي المشؤوم، الذي كان سيؤثر في الطبقة الوسطى من خلال توسيع نطاق قاعدة ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل الشخصي، وهناك مبادرة قيد الإعداد الآن، وهي أكثر تواضعا، وتُدفع تكاليفها بالكامل من قبل الشركات الكبرى والأثرياء، مما يعني أنه ستؤجل أي تدابير مالية هيكلية إلى ما بعد انتخابات الرئاسية والتشريعية لعام 2022.
ويجادل البراغماتيون بأن ثالوث المشاكل الذي تعانيه كولومبيا يمثل فرصة لتطوير أجندة إصلاح معقولة تعتمد على زيادة المشاركة السياسية، والتخلص التدريجي من البرامج الحكومية غير الفعالة، وسياسة مالية أكثر تقدمية، ولكن هذه النتيجة ليست مضمونة على الإطلاق، خاصة وأن البلاد لا تزال منقسمة بشأن اتفاقية السلام لعام 2016 المبرمة مع القوات المسلحة الثورية لكولومبيا (فارك)، ويمثل هذا عائقا كبيرا أمام تشكيل تحالف وسطي يمكنه معالجة قضايا السياسة الرئيسة.
ويتصدر المرشح الرئاسي الذي يجسد النهج الشعبوي، غوستافو بيترو، استطلاعات الرأي حاليا بتأييد 38.3% من الناخبين المحتملين، ويؤيد بيترو اقتراح أن يدفع البنك المركزي حدا أدنى للأجور لفائدة الأسر ذات الدخل المنخفض، وفي الوقت نفسه، يستخدم أعضاء اليمين المتطرف مرة أخرى الخوف لحشد الدعم، ويزعمون أن فنزويلا المجاورة دبرت عمدا الانفجار الاجتماعي في كولومبيا من أجل زعزعة استقرار البلاد.
وعلى غرار ما قامت به بيرو مؤخرا، يبدو أن قدَر كولومبيا هو أن تختار بين مسألتين متطرفتين- غضب اليسار أو خوف اليمين- ما لم يظهر بديل وسطي قابل للتطبيق، وفي مواجهة بين اليمين الراديكالي واليسار الشعبوي، من المرجح أن يؤدي عدم شعبية الحكومة الحالية إلى منح اليسار اليد العليا.
وفي هذه الحالة، سيؤدي الانفجار المالي الذي سينتج عن ذلك في النهاية إلى تفاقم الحالة السيئة للكولومبيين، وما تحتاجه الدولة بصورة طارئة هو قيادة سياسية يمكنها الاستجابة للمشاعر السائدة في الشوارع، من خلال استراتيجيات فعالة لمعالجة الأزمات الاجتماعية والمالية معا، مع الاعتماد على زيادة التطعيم لدحر الوباء، وللأسف، قد يكون توقع انتصار الديموقراطية على الديماغوجية مجرد تمنيات.