بقلم: جاكوبو باريغازي وديفيد هيرزينهورن
الشرق اليوم- ستشهد ألمانيا استحقاقاً انتخابياً كبيراً بعد ثلاثة أشهر، لكن سبق أن بدأت حقبة ما بعد ميركل في بروكسل وتبدو هذه المرحلة شائكة كما هو متوقع،
ويما يتعلق بأنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية والمسؤولة الأطول عهداً بين قادة الاتحاد الأوروبي، لم تكن القمة التي انتهت يوم الجمعة الماضي آخر مجلس أوروبي تشارك فيه، إذ من المنتظر أن تكون الزعيمة الألمانية المؤقتة خلال اجتماعات الاتحاد الأوروبي في أكتوبر المقبل، حتى يحدد الائتلاف الحاكم في ألمانيا هوية خَلَفها.
كان اجتماع المجلس في الأسبوع الماضي عبارة عن “قمة انتقالية” كما قال دبلوماسي بارز في الاتحاد الأوروبي، وأضاف هذا الأخير أن ميركل “لا تزال حاضرة لكننا سنفتقد مهاراتها وقدرتها على الجمع بين المواقف المتباينة”.
اكتسبت ميركل لقب “زعيمة العالم الحر” بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وكانت أطراف كثيرة في أوروبا تتطلع إليها دوماً باعتبارها الطرف الأكثر ثباتاً خلال الأزمات المتلاحقة، سواء تعلقت بديون منطقة اليورو أو وباء كورونا في الفترة الأخيرة، بالنسبة إلى ميركل، كانت هذه القمة آخر فرصة للاستفادة من مكانتها.
اتّضحت تداعيات رحيلها الوشيك خلال نقاش مطوّل ومرير بين القادة بشأن السياسة تجاه روسيا، طرحت ميركل وحليفها المقرّب إيمانويل ماكرون اقتراحاً في اللحظة الأخيرة يقضي بتنظيم قمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين كجزءٍ من مقاربة جديدة ومبنية على نهج “المكافآت أو العقوبات” للتعامل مع موسكو، لكن ثارت حفيظة بولندا ودول البلطيق وبلدان أخرى بسبب هذا الاقتراح، مما أدى إلى انهيار الخطة كلها.
اعتبر عدد من المسؤولين في الاتحاد الأوروبي أن رحيل ميركل ورغبتها في ترك إرث وراءها انعكسا على استعدادها لطرح مبادرة متأخرة وغير جاهزة. برأيهم، كان قادة أوروبا الوسطى والشرقية سيعترضون على الخطة في جميع الظروف على الأرجح، لكن أصبح رفض هذه الفكرة أسهل من أي وقت مضى بعد انتهاء ولاية ميركل.
بدأت أوساط الاتحاد الأوروبي الداخلية تستعد لهذه اللحظة منذ أشهر وتترقب تلاشي نفوذ ميركل وأهميتها، وها قد حلّت هذه اللحظة الآن وهي تتزامن مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الساحة الدولية، علماً أنه اختار في وقتٍ سابق من هذا الشهر أوروبا كأول وجهة خارجية له منذ توليه الرئاسة.
تتعلق مسألة أساسية في حقبة ما بعد ميركل بمعنى المرحلة الجديدة بالنسبة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين المقرّبة من المستشارة الألمانية، فهي استلمت ثلاثة مناصب وزارية خلال عهد ميركل. كذلك، لا مفر من التساؤل عن تداعيات رحيل ميركل بالنسبة إلى المجلس الأوروبي الذي يتألف من قادة الاتحاد الأوروبي وبات يتخذ القرارات النهائية تزامناً مع توسّع الانقسامات فيه، يقول دبلوماسي آخر في الاتحاد الأوروبي إن هذا التحول يعكس بطريقةٍ ما زيادة الانقسام في المجتمعات والسياسات على مستوى العالم، ما من مرشّح واضح لاستلام دور ميركل في بناء الجسور بين الأطراف المتناحرة.
خلال القمة المحتدمة الأخيرة، أثبت رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي ورئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا أنهما يسيطران على الوضع بحسب قول دبلوماسي ثالث في الاتحاد الأوروبي، ربما تشتق سيطرة كوستا جزئياً من منصبه كرئيس لمجلس الاتحاد الأوروبي بالتناوب. غالباً ما تنتج سياسة الائتلاف المعقدة في بلجيكا رؤساء وزراء يبرعون في بناء الجسور بين مختلف الأطراف، وذكر الدبلوماسي في الاتحاد الأوروبي أيضاً أن رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو بدأ يكتسب صفة الزعيم بوتيرة تدريجية، في غضون ذلك، يقول دبلوماسي رابع إن رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، وهو الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ومسؤول محترم ومخضرم على الساحة السياسية الأوروبية، يحصد إعجاب الكثيرين لكنه يفتقر إلى الدعم. بعبارة أخرى، يبقى دراغي مسؤولاً تكنوقراطياً ولا يدعمه أي حزب سياسي.
على صعيد آخر، ثمة اسم بارز لا يتماشى مع الدور الذي أدته ميركل وفق بعض الدبلوماسيين: إنه إيمانويل ماكرون، حيث يواجه الرئيس الفرنسي استحقاقاً انتخابياً حاسماً في السنة المقبلة وهو لا يحمل خلفية مشابهة لميركل، كذلك، يعتبره عدد كبير من المسؤولين في دول أوروبا الشرقية شخصية مثيرة للانقسامات، فهو أثار استياءهم بعد استعماله عبارة “الموت الدماغي” لوصف حلف الناتو، أي التحالف العسكري الذي يتكلون عليه للتصدي لموسكو.
لكن رغم الإشادة التي تحصدها ميركل مع اقتراب موعد رحيلها، غادر الدبلوماسيون القمة الأخيرة وهم يشعرون بالحيرة: ما الذي دفع ميركل، الزعيمة المتّزنة، إلى افتعال اضطراب جديد عبر طرح الاقتراح المرتبط بروسيا في اللحظة الأخيرة؟
أثار ذلك الاقتراح انقسامات فورية بين مختلف الأعضاء، فعبّرت الدول التي انضمّت إلى الكتلة بعد الحرب الباردة عن معارضتها للخطة المقترحة، وهو موقف متوقع منها، أمام هذا الوضع، تساءل البعض: هل تتعلق هذه المسألة بالتجارة؟ فقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي: “التجارة عامل أساسي ودائم في السياسة الخارجية الألمانية”، لكن آخرين افترضوا أن تكون هذه الجهود طريقة لمواكبة مسار بايدن بعد القمة التي عقدها مع بوتين في جنيف.
وأضاف دبلوماسي آخر خلال القمة: “نحن نناقش السبب الذي دفع ميركل إلى اتخاذ تلك الخطوة الأخيرة. هل تتعلق هذه التطورات برغبتها في ترك إرث معيّن وراءها”؟