بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- استغل رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد يوم الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، الذي صادف موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتركيز الأنظار على من سيفوز في سباق رئاسي محتدم بين الجمهوري دونالد ترامب والديموقراطي جو بايدن، ليقوم بغزو عسكري لإقليم تيغراي والسيطرة على عاصمته ميكيلي وطرد قادة “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” منه، بذريعة أن الجبهة كانت قد هاجمت قبل أسابيع معسكراً ضخماً للجيش الفيدرالي في شمال البلاد والسيطرة على معداته، فضلاً عن عصيان حكومة الإقليم قرارات أديس أبابا من خلال إجراء انتخابات محلية بقرار منفرد في صيف عام 2020.
تمكن أبيي أحمد فعلاً من التخلص من “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” بمساعدة من أريتريا المجاورة، ونظراً الى العلاقات الودية التي تربط بين رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس الأريتري أسياس أفورقي. ونجم عن الحرب تشريد عشرات الآلاف من القومية التيغرانية إلى شرق السودان، حيث أقاموا في ظروف كارثية تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة. وفي الوقت نفسه كانت تقارير لمنظمات حقوقية عالمية، تتحدث عن ارتكاب القوات الفيدرالية الإثيوبية والقوات الأريترية التي اجتاحت الإقليم، مجازر وعمليات نهب واغتصاب بحق السكان المحليين.
وفي الأسباب الخفية لاجتياح أديس أبابا إقليم تيغراي، يكمن الصراع الخفي على السلطة بين أبيي أحمد وقادة “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”. إذ إن الجبهة هي التي كانت تسيطر فعلياً على الحكومة الفيدرالية منذ طرد الماركسيين من السلطة في أوائل التسعينات من القرن الماضي، علماً أن القومية التيغرانية هي أقلية في إثيوبيا، إلا أن أبناءها متمرسون في القتال.
ووسط استياء شعبي من تدهور الأحوال المعيشية، تمكن حزب “الازدهار” بزعامة أبيي أحمد من الفوز في انتخابات عام 2018. ومنذ عامذاك بدأ أحمد الذي ينتمي إلى قومية الأورومو الأكبر عدداً في البلاد، بإقصاء أبناء القومية التيغرانية عن المراكز المهمة التي كانوا يشغلونها في الجيش أو في الإدارات الحكومية، ما ولّد احتقاناً بين أديس أبابا و”الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”. وكي يعزز مكانته الإقليمية، وقّع أبيي أحمد على اتفاق سلام مع أريتريا أنهى فيه النزاع الحدودي الذي أسفر عن عشرات آلاف القتلى قبل عشرين عاماً. وكان الاتفاق من بين الأسباب التي دفعت إلى منحه جائزة نوبل للسلام عام 2019.
ولم يعد أبيي أحمد يجد منافساً له سوى “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” كي يستتب له الوضع ويحكم سعيداً، فكانت المغامرة التي قادها في تيغراي والتي من المحتمل أن تنقلب عليه.
في 28 حزيران (يونيو) الماضي، شنت “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” هجوماً مضاداً على القوات الفيديرالية، وتمكنت من استعادة السيطرة على العاصمة الإقليمية، بينما أعلن أبيي أحمد وقفاً للنار من جانب واحد. لكن “الجبهة الشعبية” التي عادت باسم “قوات دفاع تيغراي” واصلت تقدمها لتستولي على المزيد من الأراضي في الإقليم وتهدد باحتمال الانطلاق إلى خارج حدوده.
وبذلك، دخلت إثيوبيا مجدداً في دائرة الحرب الأهلية بين القوميات، ومعها احتمال أن تنادي كل قومية باستقلالها، لا سيما أن الدستور الفيدرالي يتيح للقوميات مثل هذا الإمكان.
وأتى تجدد النزاع الداخلي في وقت ترتفع حرارة التوتر بين إثيوبيا من جهة والسودان ومصر من جهة ثانية، على خلفية الملء الثاني لسد النهضة في تموز (يوليو) الجاري.
ولذلك، تواجه إثيوبيا صيفاً حاراً مع دعوات دولية إلى تغليب الحوار، سبيلاً لحل الأزمات داخلياً وفي الإقليم.