بقلم: علي الصراف – العرب اللندنية
الشرق اليوم- القول إن تنظيم داعش هو الذي يقف وراء تفجيرات أبراج الكهرباء في العراق، لا يمكن أن يكون صحيحا.
الكهرباء التي يأتي ثلثها من إيران لتكون واحدة من أدوات النهب الإيراني للعراق، يصحّ أن تنقطع وأن تتفجّر كل الأبراج التي تنقلها. هذا عمل وطني نبيل. ولو كان تنظيم داعش هو الذي يقوم به، فإنه يعني أن هذا التنظيم لم يعد كما كان. لأنه أصبح يضع أهدافا وطنية على أجندته لم تكن من بين ما كان يحرص على فعله.
العراق يستورد نحو 1.8 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز من إيران، بينما حقول نفطه تحرق الغاز في الهواء! ولو حدث أن تنظيما وطنيا تكفّل بتفجير كل الأنابيب التي تنقل الغاز الإيراني للعراق، فإن ذلك سوف يوفر المليارات من الدولارات التي يحتاجها العراقيون لإعادة بناء بلدهم، بدلا من أن يجدوا أنفسهم يدفعون ديونا لإيران يُعاد توظيفها لتدمير العراق وإيران معا.
العراق يعيش في ظلام دامس في جميع الأحوال إلا أن الظلام الطائفي أبشع بكثير من ظلام المصابيح، والفقر الذي يعيش فيه العراقيون يظل هو نفسه سواء حصلوا على كهرباء أم لم يحصلوا
وبالرغم من أن العراق بات مفلسا إلى درجة أنه لا يدفع ما تراكم من ديون إيران عليه، فإن شركة الغاز الإيرانية تقول إنها تريد الاستمرار في تزويد العراق بالغاز عبر أنبوبين، يذهب الأول نحو بغداد ويذهب الثاني إلى البصرة بمجموع 43 مليون متر مكعب من الغاز.
وما لم يكن هذا العمل من أعمال النهب المنظم في بلد يغرق في حقول النفط والغاز فلن تعرف ما هو النهب ولا ما هو الاحتلال.
ولا يوجد سبيل لمنع سلطة وتنظيمات ترتبط بإيران بالتوقف عن هذه الجريمة، إلا بتدمير أبراج الكهرباء وأنابيب نقل الغاز الإيراني. بل إن تدمير أنابيب نقل النفط العراقي نفسها، هو عمل من أقدس الأعمال الوطنية لأنه يحرم عصابات إيران من المزيد من أعمال النهب.
توجيه الاتهام إلى تنظيم داعش بالقيام بأعمال التفجيرات هو مجرّد محاولة بائسة ويائسة لتشويه عمل من أعمال المقاومة الوطنية ضد الاحتلال وضد عصابات الاحتلال.
أجندة هذا التنظيم لا تتوافق مع القيم والأهداف والتطلعات الوطنية. ولو حدث أنه اختار تغيير المسار، فذلك قد يفتح الطريق لمنعطف إيجابي، يُعيد النظر في التوجهات والمسالك ذات الطبيعة الوحشية التي انتهجها التنظيم وأدّت إلى عزلته وانهياره.
لقد أتيحت الفرصة لهذا التنظيم بأن يستولي على نحو ثلث العراق ويقف على مشارف بغداد وكان بوسعه أن يهدم سلطة الاحتلال الإيراني والأميركي في غضون أسابيع، إن لم يكن أيام. إلا أن عمى البصيرة، والتشدّد الأيديولوجي طغى عليه، مثلما طغت عليه مشاعر القوة والتفوق حتى برّر لنفسه أن ينقلب على ضباط الجيش العراقي السابق الذين ساعدوه، بدوافع وطنية، فارتكب فيهم المذابح بدوافع التطرّف الديني.
لم تكن الثقة به، كأداة قتال، مبرّرة من الأساس. لأنه كان يقاتل من دون قيم إنسانية، ولا يقيم أدنى اعتبار للأخلاقيات في العلاقة مع أبناء المناطق التي خضعت لسيطرته، ولم يعرف أدنى معاني الرحمة حيالها، حتى انفضت عنه، لفظاظته وهمجيته وميله الأعمى لممارسة أعمال الانتقام.
هذا التنظيم مات. لقد قتل نفسه بنفسه. وهرب الوحوش من فتات أعضائه إلى غابات أفريقيا لكي يتوحشوا هناك. وبموته خلت ساحة المقاومة للوطنية العراقية لكي تستنهض نفسها من جديد.
وللوطنية العراقية قيمٌ تفرضُ نفسها. أفلا تلاحظ أن تلك التفجيرات لا تشمل أعمال قتل حتى الآن؟ أفلا تلاحظ أنها تنظيم بلا بهرجة سياسية ولا أيديولوجيات؟ وإن الجامع الوطني هو ما يجمعها على تحرير العراق؟ بل إنها ربما كانت عملا من أعمال أفراد يتردّد صدى الوعي الوطني في قلوبهم بحثا عن وطن سيد نفسه؟
كل مصادر تمويل سلطة الميليشيات وكل أدوات النهب المنظم هي هدف مشروع الآن. وإذا كانت التنظيمات التابعة لإيران هي تنظيمات إرهاب، فإن “تجفيف منابع تمويل الإرهاب” ينطوي على القيمة القانونية والشرعية ذاتها، سواء بالنسبة إلى تنظيم داعش والقاعدة أو تنظيمات الولاء لإيران.
يعيش العراق في ظلام دامس في جميع الأحوال. الظلام الطائفي أبشع بكثير من ظلام المصابيح. والفقر الذي يعيش فيه العراقيون يظل هو نفسه سواء حصلوا على كهرباء أم لم يحصلوا.
ولقد نهب ميليشياويو إيران القسط الأكبر من تريليون ونصف التريليون دولار من عائدات العراق النفطية على امتداد 18 عاما، والفقر زاد، وظلت كل معالم الفشل قائمة كما لو أن كل ذلك المال تبدّد في الهواء.
أليس حراما أن يبقى أنبوب نفط واحد يعمل ليغذي شرايين سلطة العصابات؟ أليس حراما أن يدخل دينار واحد إلى ميزانية يعرف الجميع أنها ميزانية نهب؟ أليس أرحم للعراقيين أن تظل ثرواتهم مدفونة في الأرض بدلا من أن تتحول إلى سلاح يتوجه ضد أبنائهم بأعمال القتل والاغتيالات والخطف والتعذيب؟
وما من عراقي إلا ويعرف أن مليشياويي إيران ينهبون كل شيء. ليس من عائدات النفط وحدها، ولكن من عقود التجارة المزيّفة، ومن المعابر الحدودية، ومن الوظائف الوهمية، ومن عمولات التسلح، ومن ميزانيات المحافظات، ومن نوادي الرذيلة، ومن تجارة المخدرات وتبييض الأموال، ومن التلاعب بأسعار صرف العملات، وكل شيء آخر.
ولقد جرّب العراقيون الانتفاضة السلمية تلو الأخرى للمطالبة بأدنى الحقوق، ولم يحصلوا إلا على الأكاذيب وأعمال الخداع. وهم قدموا التضحيات بالآلاف ولم تتم إدانة مجرم واحد. ونددوا بالفساد، ولم تجرؤ حكومتهم على ملاحقة أي أحد من الحيتان الكبار.
لقد حصل كل ذلك، بينما حقول النفط تعمل ليل نهار لتزويد حكومة خاضعة لهيمنة إيران بالمال، لكي تؤدي الواجب تجاه ولي أمرها في طهران.
تحت وهم ما، أو خدعة ما، فشلت المقاومة الوطنية العراقية، في سنوات الغزو الأميركي الأولى في تدمير حقول وأنابيب تصدير النفط. الاحتلال الأميركي كان يريد لهذه الأنابيب أن تواصل التصدير لكي تموّل دولة “العراق الجديد” قبل أن يكتشف العراقيون أنها دولة عصابات خاضعة لإيران.
العراقيون إذا كانوا يدفعون مُرّ الثمن اليوم، فبسبب ذلك الفشل بالذات. إلا أن هذا يجب ألا يعني أن يظلوا يدفعون الثمن إلى ما لا نهاية.
الاحتلال الإيراني لن يكف عن رقاب العراقيين، إذا توفر لإيران دولار واحد يمكنها نهبه. وما من سبيل لوقف هذه المجزرة إلا بوقف كل مصادر تمويل الاحتلال.
الاحتلال الإيراني لن يكف عن رقاب العراقيين، إذا توفر لإيران دولار واحد يمكنها نهبه. وما من سبيل لوقف هذه المجزرة إلا بوقف كل مصادر تمويل الاحتلال
الوطنيون الإيرانيون أنفسهم يتّبعون السبيل ذاته. التفجيرات التي تحدث هناك هي عمل من أعمال المقاومة ضد سلطة البلاء التي يقودها علي خامنئي. ومثلما يتم نسب التفجيرات في العراق إلى تنظيم داعش، فان التفجيرات في إيران يتم نسبها لإسرائيل. وكلاهما مجرد ادعاء كاذب.
هذه التفجيرات هي من أعمال مقاومة وطنية لم يبق لديها سبيل آخر للإصلاح ولا لتقويم المسالك الوحشية التي تسلكها سلطة العصابات، إلا “بتجفيف منابع تمويل الإرهاب”.
دولة الإرهاب الإيرانية، وعصاباتها في العراق، سوف تنهار من تلقاء نفسها عندما تعجز عن تمويل مؤسساتها وأجهزتها. ونحن إذ نحصد ثمار الفشل، فمن الخير أن ندفع ثمنه بظلام المصابيح، بدلا من أن نظل ندفع ثمنه لأجيال بظلام التعسّف والقهر والإرهاب.