بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – في مئوية الحزب الشيوعي الصيني التي صادفت الأول من تموز (يوليو)، ارتدى الرئيس شي جين بينغ قميصاً على طراز القميص الذي اشتهر به مؤسس الحزب ماو تسي تونغ في الاحتفال الضخم الذي أقيم في ساحة تيان آن مين في وسط بيجينغ بالمناسبة.
من تيان آن مين برمزيتها غير الخافية، أطلق شي رسالة حازمة إلى من يهمه الأمر، ومن دون حاجة إلى كتابة العنوان “لقد ولى عهد التنمر” على الصين، ولم يغفل ربط كل إنجازات الصين بـ”المسيرة الطويلة” للحزب الشيوعي.
هذه الرسالة لا تحتاج إلى عنوان، معروف من المقصود بها في وقت يحتدم فيه النزاع مع الولايات المتحدة التي قال رئيسها جو بايدن في تعريف أيديولوجي للنزاع: “إننا نعيش نقطة انعطاف بين من يجادلون بأن الاستبداد هو الطريق الأفضل للتقدم إلى الأمام… وأولئك الذين يتفهمون أن الديموقراطية ضرورية”.
منذ “القفزة الكبرى” للصين في عهد ماو إلى التحول الذي أحدثه دنغ شياو بينغ في النظرية الاقتصادية، التي ساهمت في “قفزة” أخرى في الانفتاح على العالم، وصولاً إلى شي جينبينغ، لم تتوقف الصين عن القفز حتى كادت تزيح الولايات المتحدة عن عرش أكبر اقتصاد في العالم.
ومن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لم تكن الولايات المتحدة ترى أن الصين ستنمو بهذه السرعة التي تمكنت خلالها من اللحاق بها اقتصادياً، ومن ثم البدء في التوسع عالمياً بـ”القوة الناعمة”، فضلاً عن استعادة هونغ كونغ ومكاو والتطلع الدائم إلى تايوان واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من “صين واحدة”.
وإذا بأميركا تجد أن الصين اليوم ربما تشكل خطراً استراتيجياً عليها أكثر بكثير مما كان يشكله الاتحاد السوفياتي بترسانته النووية الضخمة. إن الولايات المتحدة ترى في القوة الاقتصادية للصين تهديداً يفوق التهديد النووي السوفياتي ومن بعده الروسي. ولا تخشى واشنطن السلاح الروسي على رغم تفوقه، لأن حجم روسيا اقتصادياً لا يتجاوز الحجم الاقتصادي لكندا.
أميركا تهيمن على العالم منذ أكثر من قرن، لأنها صاحبة أكبر اقتصاد في العالم. واقتصادها هو الذي أتاح لها أن تكون أكبر قوة عسكرية. وهي تعيش هاجساً لا فكاك منه، ماذا لو قررت الصين أن تنافس أميركا عسكرياً أيضاً، علماً أن الخطوات الصينية في هذا المجال لا تزال متواضعة، لكنها حققت “قفزات” سريعة في ما يتعلق بالصعود إلى الفضاء. وهذا هاجس آخر يؤرق أميركا.
في مئوية الحزب الشيوعي الصيني، بعث شي جين بينغ بالرسالة التي لا تحب الولايات المتحدة أن تقرأها، وتفضل العيش في وهم أنها لا تزال قادرة على احتواء الصين كما احتوت الاتحاد السوفياتي.
بيد أن الواقع يشي بأن العملاق الآسيوي في مرحلة ما قد يتجاوز الولايات المتحدة، على رغم كل الجهد الأميركي المبذول للبقاء وحيدة على عرش القرن الحادي والعشرين.
هذا الشهر، تصادف الذكرى الخمسون لزيارة هنري كيسينجر مستشار الأمن القومي للرئيس الراحل ريتشارد نيكسون بيجينغ. تلك الزيارة كان هدفها تقليب الصين ضد الاتحاد السوفياتي، أكثر من التطبيع بحد ذاته مع أكبر دولة من حيث عدد السكان وامتلاكها إمكانات هائلة وحضارة عريقة لا ينقصها لا علم ولا اكتشافات غيرت بها وجه التاريخ أكثر من مرة.
وفي السنوات الأخيرة، لا يكف كيسينجر عن إطلاق التحذيرات من مغبة “أخطار مروعة” ستواجه العالم، إذا ما اندلع نزاع بين الولايات الولايات المتحدة والصين. واعتبر أنه بينما كانت الأسلحة النووية إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي قادرة على التسبب بأضرار جسيمة، فإن قدرات التكنولوجيا النووية والذكاء الاصطناعي التي تمتلكها كل من الولايات المتحدة والصين، في إمكانها إلحاق أضرار أكبر بكثير.
ومن دون شك، إذا كان بايدن قارئاً للتاريخ، فإنه يعلم أن الصين كانت تملك في القرن الخامس عشر أكبر أسطول بحري في العالم. ولعل أميركا تخشى أن يعيد التاريخ نفسه مجدداً، وأن لا يعود العالم أميركياً.