الشرق اليوم- يقال إن قادة حركة “طالبان” الأفغانية يتمركزون في باكستان، لكن في ظل توسّع الأراضي الأفغانية التي يسيطرون عليها، هل سيغادرون البلد ويعودون إلى أفغانستان؟ تتعدد الأسباب التي تمنع الحركة من اتخاذ هذه الخطوة في المستقبل المنظور.
في المقام الأول، تمنح باكستان عمقاً استراتيجياً وخياراً احتياطياً لحركة “طالبان” ولا شك أنها تريد الحفاظ على هذه الامتيازات، وطوال عقود، حصلت حركة “طالبان” على ضمانات معينة بعدما وجدت ملاذاً آمناً لها في باكستان ودائماً استفادت من هذا الوضع حين كانت تواجه المشاكل في أفغانستان أو عندما تتعرض لهجوم من المجتمع الدولي، فقد كانت هذه الظروف تصبّ في مصلحة قادة “طالبان” في الماضي وستتابع فروع من الحركة الاستفادة منها خلال السنوات المقبلة.
ستبقى باكستان من أبرز داعمي “طالبان” إذا أثارت هذه الأخيرة استياء المجتمع الدولي وأصبحت معزولة مجدداً في المستقبل، فعلى مر السنين، ضاعفت حركة “طالبان” الأفغانية جهودها لاكتساب سمعة حسنة باعتبارها منظمة مستقلة، حيث تسود فكرة شائعة مفادها أن تأثير باكستان على “طالبان” تلاشى مع مرور السنوات، وبسبب هذا النفوذ المتلاشي، لم تهتم الحركة كثيراً بالضغوط الباكستانية التي تدعوها إلى المشاركة في محادثات السلام، وكبح أعمال العنف، والتركيز على إيجاد تسوية يتم التفاوض عليها مع شركاء آخرين.
من الواضح أن باكستان ليست مسرورة من تصرفات “طالبان”، وفي هذا السياق كتب رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مقالة جديدة في صحيفة “واشنطن بوست” جاء فيها: “نحن نعارض أي استيلاء عسكري على أفغانستان لأنه سيُمهد إلى اندلاع حرب أهلية تمتد على عقود بما أن “طالبان” تعجز عن السيطرة على البلد كله لكن يُفترض أن تشارك في أي حكومة كي تحقق النجاح”.
لكن لن تتخلى “طالبان” عن قواعدها في باكستان، رغم خلافاتها مع إسلام أباد، لمجرد أن تثبت نطاق سلطتها، بل ستتابع الحركة التركيز على مصالح باكستان الأمنية وتتخذ الخطوات اللازمة ضمناً للحفاظ على علاقة ثنائية سليمة.
سبق أن حذرت “طالبان” الدول المجاورة لأفغانستان من عرض أي قواعد عسكرية على الولايات المتحدة، وفي المقابل، أعلنت باكستان التي استهدفها ذلك التحذير على ما يبدو أنها لن تتخذ خطوة مماثلة وشددت على احتمال أن يستهدف الإرهابيون البلد إذا وافقت إسلام أباد على استضافة أي قواعد أمريكية.
في الأسبوع الماضي، قال وزير الداخلية الباكستاني شيخ رشيد أحمد إن باكستان اتخذت قراراً محورياً بعدم منح الولايات المتحدة أي قواعد فيها، وتتوقع إسلام أباد الآن من حركة “طالبان” الأفغانية أن تكبح نشاطات “تحريك طالبان باكستان” وجماعات أخرى.
مقابل امتناع إسلام أباد عن استضافة أي قوات عسكرية أمريكية على الأراضي الباكستانية، تتوقع باكستان إذاً من حركة “طالبان” الأفغانية أن تتصدى لجماعة “تحريك طالبان باكستان”، وتحرص باكستان على تذكير “طالبان” بأنها ستتابع دعمها شرط أن تحمي المصالح الباكستانية على طول “خط ديورند”. تفيد التقارير بحصول اشتباكات بين “تحريك طالبان باكستان” وحركة “طالبان” الأفغانية التي طالبت تلك الجماعة بالتسجيل رسمياً والالتزام بالقواعد التنظيمية للحركة.
يبدو أن “طالبان” الأفغانية تريد أن تبلغ باكستان بأنها مستعدة لمراجعة سياستها تجاه “تحريك طالبان باكستان” إذا اتخذت إسلام أباد خطوات تُرضيها، وفي الوقت نفسه، توحي “طالبان” بأنها مستعدة لدعم “تحريك طالبان باكستان” إذا لاحظت أن باكستان بدأت تُضعِف مصالح “طالبان”. في مطلق الأحوال، تدرك باكستان و”طالبان” معاً أن الضغوط التي تتبادلانها لها حدود معينة، لكن الارتباط الذي يجمع الطرفين يوماً لن يتلاشى لأنهما يدركان أن كل طرف منهما يخدم مصلحة الطرف الآخر.
بالاتفاق مع صحيفة الجريدة