بقلم: جيمس ستافريديس
الشرق اليوم- المرة الأخيرة التي كانت فيها روسيا والمملكة المتحدة على خلاف في البحر الأسود كانت في حرب القرم في منتصف القرن التاسع عشر. كان أشهر معارك هذه الحرب “هجوم اللواء الخفيف”، الذي خلده ألفريد لورد تينيسون، حيث تميز الصراع الذي دام ثلاث سنوات باستخدام التلغراف في التواصل أثناء القتال، ونقل القوات بالسكك الحديدية واستخدام القذائف البحرية الشديدة الانفجار.
عادت أنواع النزاعات الإقليمية التي أدت إلى نشوب حرب القرم إلى عناوين الأخبار مع مواجهة الدولتين في المياه المتنازع عليها حول أوكرانيا الأسبوع الماضي بأساليب واضحة.
كانت المدمرة، وهي واحدة من أحدث المدمرات في البحرية البريطانية، تمر بين ميناءين على البحر الأسود في 23 يونيو (حزيران). وكان طريقها يمر عبر المياه التي ادعى الاتحاد الروسي أنها بحار إقليمية بعد ضمها لشبه جزيرة القرم في عام 2014.
زعمت روسيا أن إحدى سفنها الحربية أطلقت طلقات تحذيرية وأن طائرات روسية ألقت بقنابل بالقرب من السفينة البريطانية. وقد نفت المملكة المتحدة كلا الادعاءين فيما بعد بالقرب من “سيفاستوبول”، وهو ميناء وقاعدة بحرية قمت بزيارتها عدة مرات كقائد عسكري في منظمة حلف شمال الأطلسي “ناتو”.
كان هذا الحادث الأكثر بروزاً بالنظر إلى الروايات المتضاربة، فقد قدم الروس التفاصيل: جرى إسقاط أربع قنابل أمام سفينة “دفيندر” الحربية بواسطة طائرة حربية طراز Su – 24. إذا كان هذا صحيحاً، فمن المدهش أن روسيا كانت على استعداد لإطلاق النار، وإلقاء الذخائر بالقرب من سفينة حربية تابعة لعضو في “ناتو”.
بدا أن البريطانيين تجاهلوا الأمر، حيث قال وزير الدفاع، بن والاس، ببساطة إن ديفندر “قامت بعبور روتيني من أوديسا باتجاه جورجيا عبر البحر الأسود”. ومع ذلك، وفقاً لتقارير الصحافة البريطانية، علمت حكومة المملكة المتحدة أن مهمة ديفندر في الميناء الأوكراني ستكون استفزازاً لروسيا، وقد وافق رئيس الوزراء بوريس جونسون شخصياً على الغزو.
أصل النزاع في البحر الأسود هو أنَّ المملكة المتحدة (وبقية دول “ناتو”) تدعم موقف أوكرانيا بأنَّ غزو روسيا عام 2014 وضم شبه جزيرة القرم لاحقاً كان انتهاكاً للقانون الدولي. وتواصل بريطانيا الاعتراف بالبحار الإقليمية قبالة شبه جزيرة القرم على أنها تابعة لأوكرانيا، وكانت تمارس حق المرور البريء للسفن الحربية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي وقعت عليها كل من روسيا والمملكة المتحدة وأوكرانيا.
وقع ذلك في قلب “لعبة عظيمة” نَشأت في البحر – نسخة حديثة من ألعاب الحرب القصيرة بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية في القرن التاسع عشر – مع الدول الاستبدادية التي تعترض على عبور السفن الحربية المسموح بها بموجب القانون الدولي.
في الواقع، ما يهم ليس هو البحر الأسود بل المبدأ الأكبر لحرية أعالي البحار. سألت العديد من كبار الضباط البحريين (الأمريكيين والبريطانيين) عن هذا الحادث والإجراءات الأميركية المماثلة في بحر الصين الجنوبي حول الجزر الصناعية العسكرية التي بنتها بكين. كان الإجماع على أننا سنشهد المزيد من هذه التحديات بين الحلفاء الغربيين والتحالف الاستبدادي المتزايد للصين وروسيا. أرسل لي أحد الضباط البريطانيين عنواناً رئيسياً من صحيفة “ديلي تلغراف” جاء فيه أن “بريطانيا لا تزال القوة البحرية الثانية في العالم والأمر متروك لنا لدعم القانون”.
كما ترسل المملكة المتحدة أيضاً مجموعة حاملة طائرات هجومية قوية يبلغ وزنها 65 ألف طن إلى غرب المحيط الهادئ. هناك ستنضم إلى السفن الحربية من الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا وألمانيا وغيرها من الدول، للمشاركة في دوريات حرية الملاحة. من المحتمل أن تقوم المجموعة الرباعية – وهي تحالف يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة – بالنظر في مهام مماثلة. قد تكون هناك أيضاً عمليات مشتركة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها حول الجزر التي تطالب بها إيران في الخليج، وربما بالقرب من الجزر المتنازع عليها بين اليابان والصين في بحر الصين الشرقي.
رغم أن الولايات المتحدة استمرت بحماقة خارج معاهدة قانون البحار (بناءً على الحجج المصطنعة حول السلطة الدولية على التعدين في قاع البحار)، فإنها لا تزال تلتزم بشكل أساسي جميع الأحكام. فهي وثيقة قوية وشاملة تم التفاوض بشأنها بشكل شامل في أوائل الثمانينات وتضمن الحريات في أعالي البحار التي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي. إن الدفاع عنها سواء في البحر الأسود أو بحر الصين الجنوبي أو في أي مكان آخر لأمر حميد للنظام العالمي.