بقلم: محمد السماك – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – يسبح في الفضاء الخارجي أكثر من 2000 قمر اصطناعي تابعة لعدد كبير من الدول. من هذه الأقمار ما يُستخدم لأهداف عسكرية – استكشافية وتجسسية، ومنها ما يُستخدم في أعمال علمية لمراقبة تغيّرات الطقس وحركة الرياح والعواصف، ومنها ما يُستعمل في عمليات الاتصال والتواصل بين الناس عبر القارات. إلا أن الصراعات السياسية على الأرض تحوّل هذه الأقمار إلى أهداف عسكرية.
وإضافة إلى الأقمار الاصطناعية، يسبح في الفضاء أيضاً أكثر من 500 ألف قطعة معدنية من مخلّفات الصواريخ والأقمار الاصطناعية. وتدور هذه المخلّفات في الفضاء بشكل عشوائي وبسرعة تزيد على 27 ألف كيلومتر في الساعة.
فماذا يحدث إذا ارتطمت قطعة من هذه المخلّفات بمركبة فضائية في مهمة علمية، أو في رحلة استكشافية إلى القمر مثلاً؟ وماذا يحدث إذا هبطت كالنيازك والشهب على مناطق مأهولة في الأرض؟. بالأمس القريب تعثّر قمر اصطناعي صيني وهو في طريقه إلى القمر، وسقط أشلاءً في المحيط الهندي. فماذا لو سقطت هذه الأشلاء فوق مدن آهلة؟
تخطط الولايات المتحدة للعودة إلى القمر في عام 2024. ووضعت الصين برنامجاً للهبوط الإنساني على الجانب الخلفي من القمر في عام 2035. يعكس ذلك التسابق على الثروات المعدنية النادرة التي يمكن العثور عليها هناك. فهل يصبح لمن يصل إلى هذه الثروة أولاً حق احتكارها؟
من هنا السؤال الذي يطرحه العالم، ولكن لا يملك جواباً عليه وهو: من يملك الفضاء الخارجي؟ وهل تُطبق على الفضاء القاعدة التي اعتُمدت كأمر واقع على الأرض، وهي أن من يصل أولاً يملك كل شيء؟
وضعت دول العالم قانوناً للبحار، ولكن لم تلتزم به إلا نادراً. ووضعت شرعة للعلاقات بين الدول، ولكن لم تحترمها إلا مسايرةً. فهل يمكن أن تحترم معاهدة دولية حول الفضاء؟
ليس صحيحاً أن هذا السؤال سابق لأوانه. فعمليات غزو الفضاء التي جرت بين عامي 1958 و2009، اقتصرت على أميركا وروسيا وحدهما لأسباب عسكرية في الدرجة الأولى. أما الأسباب العلمية فحلّت في الدرجة الثانية.
أنفقت الولايات المتحدة وحدها مئات المليارات من الدولارات على برنامج «أبولو» وحده. الآن تغيّر الوضع، ودخلت شركات خاصة في سباق اكتشاف الفضاء وغزوه. وتستثمر هذه الشركات سنوياً أكثر من ملياري دولار (أي ما يعادل 15 بالمائة من الإنفاق العام) على مشاريع جديدة.
لم تقم الإمبراطوريات القديمة على الأرض (البريطانية والإسبانية والهولندية والفرنسية..الخ) بمبادرات من الدولة. الدولة أعطت شرعيتها لمبادرات قامت بها شركات خاصة، ثم تبعتها الدول وقامت بحمايتها، لعل أشهرها شركة الهند الشرقية. قد يحدث هذا في الفضاء أيضاً.
من هنا الحاجة إلى نظام دولي يتعامل مع هذه التطورات المتسارعة. ففي عام 1967 أُقرّت اتفاقية دولية حول الفضاء الخارجي نصّت على ما ترجمته بالحرف «أن الفضاء هو ملك للإنسانية». والإنسانية لا تقتصر على الدول القادرة علمياً ومالياً على الوصول إلى الفضاء. كذلك فإن الإنسانية ليست فقط تلك التي تخشى من سقوط بقايا الصواريخ المتطايرة في الفضاء فوق رؤوسها.
لقد أعلنت كل من الولايات المتحدة وفرنسا عن نيّتهما بإنشاء «قوة عسكرية فضائية». وهذا يستدرج الصين وروسيا وغيرهما إلى اتخاذ قرار مماثل. وبالفعل ففي عام 2018 كشفت موسكو وبكين عن أنهما أقامتا وحدات عسكرية فضائية منذ عام 2017. فهل يصبح الفضاء الخارجي الذي هو «ملك للإنسانية» كلها، مسرحاً للقتال؟.. وماذا يبقى للإنسانية أو ماذا يبقى من الإنسانية إذا حدث ذلك؟