بقلم: عبد الرحمن الطريري – عكاظ السعودية
الشرق اليوم- تاريخياً أول دولتين إسلاميتين اعترفتا بإسرائيل هما تركيا وإيران، وهذا بدافع رئيسي وهو تشكيل تحالفات تقف في وجه المنطقة العربية المحيطة بالدول غير العربية في الإقليم، وخشية من الاتحاد السوفييتي الذي كان داعماً لعدة دول عربية، بينما كان النظامان الإيراني والتركي حليفين للغرب.
العلاقة العلنية وقت الشاه وحكومة مصدق وبداية من فترة الرئيس التركي عصمت إينونو حين اعترفت تركيا بإسرائيل في ١٩٤٩، لم تختلف كثيراً بعد ثورة الخميني ووصول الإسلام السياسي للحكم في فترة أردوغان، إلا على نحو الضرورات السياسة لتكون العلاقات الإيرانية الإسرائيلية سرية، ولتكون العلاقات التركية الإسرائيلية العلنية متقطعة تبعا للصراع العربي الإسرائيلي.
فإيران التي قطعت العلاقات مع إسرائيل بعد ثلاثة أسابيع من وصول الخميني، وسلمت المقر بشعبوية إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ورفع ياسر عرفات العلم الفلسطيني فوق المقر، إنما كانت تمثل خيار إيران بإقناع العرب لتكون عسكري المنطقة، عبر اللعب على القضية العربية المركزية.
المضحك أن إيران لم تسمح لمنظمة التحرير بفتح مكاتب لها في إيران بعكس حماس، ولم تسمح للاثنين معا بفتح مكاتب في الأحواز العربية، لتكرس قضية فلسطين كقضية إسلامية لا عربية، عسكري المنطقة هو طموح خالج الشاه وسعى لتحقيقه عبر اتفاق الجزائر ١٩٧٥ مع صدام حسين، وعبر إقناع السادات بالتخلي عن التحالف مع الاتحاد السوفييتي وطرد الخبراء السوفييت، والتوجه غربا، وأهم من ذلك إقناعه لنيكسون بتسليح إيران.
وتشير شيرين هنتر في كتابها إيران والعالم، إلى أن الثوار تجاوزوا جنون العظمة لدى الشاه، فبدلا من السيطرة على المحيط الهندي وغرب آسيا، سعت حكومة الخميني لتكون زعيمة العالم الإسلامي برمته، وفي مقابلة مع د. هادي سماتي في ٢٠٠٤، قال: تلك الهيمنة الإقليمية كانت الفكرة برمتها، لديك الجمهورية الإسلامية في العراق، والجمهورية الإسلامية في إيران، وهذا من شأنه أن يغير ميزان كل شيء، يمكننا أن نسيطر على إقليم الشرق الأوسط بأكمله.
وحين كانت إيران تسعى لزعزعة نظام صدام حسين قبل اتفاق الجزائر، كان عملاء الموساد الإسرائيلي يعملون على الأرض مع عملاء السافاك الإيراني في دعم المعارضة الكردية، وبعد الشاه حين كان نظام الخميني يحارب صدام حسين، لم يجد مدد من الأسلحة إلا عبر إسرائيل التي وجدت من مصلحتها أن لا يسقط النظام الإيراني الجديد، والذي من المرجح أن لها دورا في قدومه بعد أن أصبحت طموحات الشاه مزعجة إسرائيليا.
هذا الدعم لم يكن فقط عبر صفقة إيران-كونترا الشهيرة فقط، بل عمل حوالى ألف مستشار وفني إسرائيلي تقريبا طوال الحرب، وكانوا يقيمون في معسكر شديد الحماية شمال طهران، ولقد ظلوا هناك حتى بعد وقف إطلاق النار، كما قامت إسرائيل في السابع من يونيو من عام 1981 بمهاجمة المفاعل أوزيراك النووي العراقي.
سيقول قائل ولكن إسرائيل تقتل الإيرانيين في سوريا واغتالت العالم الإيراني النووي فخري نوري زاده، وكررت ضرب موقع نطنز، ومن جانب آخر، إيران تسلح حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي لمهاجمة العمق الإسرائيلي، فكيف لهذه الأعمال أن تتسق مع العلاقات العميقة.
والحقيقة أن كل الصدامات العلنية بين إسرائيل وإيران تندرج تحت مظلة «ديكورات العلاقة»، وهو من تقليم الأظافر الذي تحتاجه العلاقة لتتجمل، تماما كشعارات المزايدة التي استخدمها حافظ وبشار الأسد وحسن نصر الله والحوثي، أما العلاقات فهي إستراتيجية وضرورية للطرفين، أولا تعميقا لمبدأ بن غوريون الذي يرى ضرورة وجود علاقة إسرائيلية مع الأطراف غير العربية في المنطقة (تركيا وإيران)، وثانيا ليسمح لإيران بالتغلغل في العالم العربي عبر خطاب يوهم بأنها المدافع عن فلسطين.
العلاقات الإيرانية الإسرائيلية مستمرة، وتتكرر اللقاءات بين المسؤولين الأمنيين سواء في البلدين أو في بلد ثالث، وليس في صالح أي من الطرفين ظهورها للعلن، لأن العداء الظاهر ضرورة وجودية، إلا أن إيران في لحظة الرعب من حكومة المحافظين الجدد 2003، قدمت عرضا لواشنطن عبر الوسيط السويسري «تيم غولدمان» يشمل الاعتراف بإسرائيل، فإيران بعيدا عن الشعارات دولة براغماتية من الطراز الأول، تتاجر بالدين في خطاباتها، ولكن حين تأخذ قراراتها يكون ذلك تحت سقف «مجلس تشخيص مصلحة النظام».