بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- يعيد انقطاع الكهرباء عن معظم المحافظات العراقية، مؤخراً، الذاكرة إلى ما قبل نحو 30 عاماً، حين انقطعت الكهرباء كلياً عن البلاد مباشرة عقب حرب الخليج عام 1991، والتي تم إصلاحها في ذلك الحين بجهود ذاتية، رغم الحصار المفروض على البلاد، وإن جرى تقنينها عبر قطع مبرمج حتى سقوط النظام السابق عام 2003، لكنها تتحول الآن إلى ميدان للاستثمار السياسي بين القوى العراقية المتنافسة.
بهذا المعنى، فإن مشكلة انقطاع الكهرباء في العراق، هي مشكلة قديمة متجددة باستمرار، لأسباب كثيرة ومتعددة، لكن الأهم هو أن الأحلام الوردية للقوى السياسية التي تولت السلطة بعد عام 2003، والتي دغدغت مشاعر العراقيين بإمكانية حل هذه المشكلة جذرياً لم تتحقق، بل على العكس ازدادت سوءاً، وتحولت إلى عبء يثقل كاهل العراقيين، سواء مع ارتفاع الحرارة إلى درجات قياسية في فصل الصيف، أو بلوغها درجات قياسية في فصل الشتاء القارس. وبالتالي، فقد بقيت المطالبة بحل هذه المشكلة من أبرز المطالب الخدماتية للمحتجين العراقيين، خصوصاً أن المواطن العادي بات يدرك الأسباب الكامنة وراءها، ومن ذلك الفساد المستشري في هذا القطاع وعمليات النهب والإثراء الفاحش لبعض السياسيين الفاسدين، بينما تشير الأرقام إلى إنفاق نحو 80 مليار دولار على مدار 18 عاماً لإصلاح الشبكة الوطنية وحل مشكلة الطاقة جذرياً دون جدوى.
والأسوأ من ذلك كله، الإبقاء على قطاع الطاقة، بعد كل هذا الإنفاق، رهيناً لمنظومة الطاقة الإيرانية، حيث يتم استيراد الغاز والكهرباء، وحيث تراكمت ديون إيران لتبلغ نحو خمسة مليارات دولار، ما دفع الأخيرة، أكثر من مرة، لقطع إمدادات الغاز والكهرباء، لفترات مؤقتة بهدف الضغط لتحصيل ديونها، ولكن في توقيت حساس جداً مع ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من نصف درجة الغليان، الأمر الذي فاقم معاناة العراقيين.
وهناك أيضاً العامل الإرهابي، الذي يدرك أهمية وحجم هذه المشكلة ويضغط بصورة مستمرة على السلطات العراقية من بوابة الكهرباء عبر اللجوء إلى تفجير أبراج للطاقة من حين إلى آخر. لكن تبقى هناك تساؤلات عديدة عن كمية الأموال التي أنفقت في هذا القطاع، وأين ذهبت إن لم تكن إلى جيوب الفاسدين، وما الذي جناه العراقيون سوى المزيد من المعاناة اليومية، والكوارث البشرية الناجمة عن الفساد والإهمال واللامبالاة، كما حدث في حريق مستشفى “ابن الخطيب” في بغداد قبل أشهر قليلة وأوقع عشرات القتلى والجرحى؟
اليوم، ومع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في أكتوبر المقبل، تطرح تساؤلات عما إذا كان الهدف من انقطاع الكهرباء هو فتح معركة “الإسقاط السياسي”؟ إذ تشير حكومة الكاظمي إلى أن عطلاً فنياً وراء الانقطاع، لكن قبول استقالة وزير الكهرباء، وتشكيل لجنة برئاسة الكاظمي لإدارة الملف، يعني ما هو أبعد من ذلك وأن الحكومة تسعى إلى تجاوز المعرقلين، الذين يحاولون، منذ الآن، فرملة عودة الكاظمي لولاية جديدة، على الرغم من أنه لا يملك حزباً سياسياً ولا يريد الترشح للانتخابات.