By: Michael Hirsh
الشرق اليوم – أكد الكاتبان الأمريكيان جورج باكر وأندرو باسيفيتش في كتابين لهما عن تراجع دور الولايات المتحدة صدرا مؤخرا -عنونا تباعا بـ”الأمل الأفضل الأخير” (Last Best Hope ) و”ما بعد القيامة” (After the Apocalypse)- أن الولايات المتحدة وصلت في الفترة الأخيرة مستوى عميقا من الانقسام ولم تعد على الأرجح تستحق أن تقود العالم.
واستحضر الكاتبان ما تحدث عنه المؤرخ الفرنسي مارك بلوخ في كتابه النقدي القصير “هزيمة غريبة” الصادر عام 1940، أي بضع سنوات فقط قبل اغتياله على يد البوليس السري النازي (الغيستابو) حين وضع شعبه في قفص الإتهام محملا إياه مسؤولية التدهور الثقافي والتفكك المجتمعي اللذين مهدا لإخضاع فرنسا من قبل النازيين.
وذكر الكاتبان أن إدانة بلوخ لبلده فرنسا في ذلك الوقت تعد أمرا مهما للغاية لفهم ما باتت تواجهه الولايات المتحدة اليوم.
ويرى باكر أنه “مثل فرنسا عام 1940 صدمت الولايات المتحدة نفسها في العام 2020 بانهيار أكبر وأعمق من أن ينسب لزعيم سياسي واحد”، في إشارة إلى استجابة واشنطن غير الكفؤة في كثير من الأحيان ضد أزمة جائحة كورونا.
كما يعتقد باسيفيتش أن الولايات المتحدة أصبحت لاعتبارات عدة في وضع مشابه تماما لوضع فرنسا المهزومة في عام 1940، حيث تعاني من “انهيار كامل في القيادة والرؤية”.
يمكننا القول إذا كان تقييم الكاتبين للوضع الذي تعيشه الولايات المتحدة دقيقا بما فيه الكفاية، خاصة أن الأميركيين بدلا من الدفع ببلادهم إلى طريق مجهول بعد فترة الرئيس السابق دونالد ترامب اختاروا -بنسبة قياسية بلغت 81 مليون صوت- “رجلا لائقا” هو جو بايدن الذي يكرر في كل مناسبة أنه ليس مثل سلفه، وبدأ فور تنصيبه في التراجع عن إرث ترامب وأسوأ تجاوزاته. وبالرغم من وفاة أكثر من 620 ألف أميركي بسبب “كوفيد-19″ فإن الوباء بالكاد يمكن مقارنته بالاحتلال النازي، ناهيك عما تعرف بـ”المحرقة اليهودية” (الهولوكوست)، ورغم كل إخفاقاتها لا تزال الولايات المتحدة تبدو وكأنها “القميص الأقل قذارة” في المغسلة العالمية إن هي قورنت بالاستعمار الصيني من خلال الديون أو بتطلعات روسيا المتعطشة للنفوذ.
لذلك لا يوجد حتى الآن نموذج أيديولوجي بديل للحرية، ولا تزال الولايات المتحدة إلى حد بعيد “أقوى دولة حرة على وجه الأرض” شئنا أم أبينا.
كما أن الأشهر الستة الأولى للرئيس الحالي كانت غير عادية بكل المقاييس، حيث انخرط بالفعل إلى حد ما في معالجة العلل المجتمعية العميقة التي تحدث عنها باكر وباسيفيتش.
إن خطط الإنفاق التي اعتمدتها إدارة بايدن ومراجعة مقاربة “أميركا أولا” التي كانت من بقايا إرث ترامب -وهو ما وصفه الصحفي والكاتب الأميركي إدوارد ألدن بدقة بمقاربة “أميركا أولا مع العقل”- تعتبر “محاولة طموحة” لعلاج التفاوت المتفاقم الذي يعتبره جورج باكر مشكلة الأمة الأميركية المركزية اليوم.
كما أن الرئيس الـ46 للولايات المتحدة يصبو من خلال هذه البرامج أيضا إلى سد الفجوة بين ما يسميه باكر “أميركا الحقيقية” -وهي الطبقة العاملة الغاضبة الانعزالية التي استغلها ترامب لإلحاق الهزيمة بالديمقراطيين- وبين الرؤى التقدمية التي يشهدها القرن الـ21.
وهو عاقد العزم قبل أي شيء آخر -تختم المجلة- على إعادة الثقة في الفكرة الأساسية التي مفادها أن الإدارة الذاتية في دولة منقسمة ومليئة بالتعقيدات تضم 332 مليون فرد أمر قابل للنجاح.
ترجمة: الجزيرة