بقلم: هشام ملحم – النهار العربي
الشرق اليوم- وصلت المفاوضات الاميركية-الايرانية غير المباشرة في فيينا الى مرحلة حرجة بعد 6 جلسات لم تؤد الى حل القضايا الخلافية، وذلك على خلفية ازدياد حدة التهديدات والاشتباكات العسكرية بين القوات الاميركية والميليشيات العراقية التي تسيطر عليها ايران، الامر الذي ساهم بدوره في توتير العلاقات الاميركية-العراقية. التوتر العسكري تزامن مع تحذيرات أميركية وإيرانية عكست ازدياد مشاعر الاحباط لدى الطرفين ونفاذ صبر القيادتين في واشنطن وطهران من أن المفاوضات في فيينا لا يمكن اأن تستمر الى ما لانهاية.
وكان وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن قد قال خلال جولته الاوروبية الأخيرة إن عدم تمديد ايران لاتفاق المراقبة المبرم مع وكالة الطاقة النووية الدولية لرصد المنشآت الايرانية يدعو “للقلق”، وان واشنطن ابلغت هذا الموقف لايران. وخلال مؤتمره الصحافي المشترك مع نظيره الفرنسي جان-إيف لودريان، انتقد بلينكن استمرار ايران بتطوير اجهزة الطرد المركزي المتطورة وغيرها من الاجراءات التي تتعارض مع الاتفاق النووي الموقع في 2015، واضاف في تحذير واضح انه اذا استمرت ايران على هذه السياسية ” سوف نصل الى نقطة، سوف يصبح فيها من الصعب جداً العودة الى المقاييس التي حددها “الاتفاق النووي.
وقبل أيام، قال كبير المفاوضات الايرانيين في فيينا عباس عراقچی في اجتماع للجنة الامن القومي في البرلمان الايراني: “لقد اجرينا مفاوضات بما فيه الكفاية .وحان الوقت لكل دولة ان تتخذ قرارها”.
تأتي هذه التطورات السياسية على خلفية قرار اتخذته ادارة الرئيس بايدن، من أن القوات الاميركية سوف ترد على أي هجمات صاروخية او عبر المسيرات حتى ولو لم تؤد هذه الهجمات الى التسبب بقتل أو جرح العسكريين الاميركيين في العراق وسوريا. وجاءت الغارة الجوية الاميركية قبل اسبوع والتي استهدفت مواقع لتنظيمي “كتائب حزب الله” و”كتائب سيد الشهداء” على جانبي الحدود العراقية-السورية، لتؤكد هذا الموقف العسكري الجديد الذي يختلف عن موقف ادارة الرئيس السابق ترامب، والقائل إن واشنطن سترد على هجمات الميليشيات المدعومة من ايران اذا ادت الى خسائر اميركية.
وقال مسؤولون اميركيون في تسريبات خلفية للصحافيين ان ا\دارة الرئيس بايدن تريد ان تؤكد للإيرانيين ان مهاجمة القوات الاميركية ستكون له مضاعفات “واذا تعرضنا للهجمات سوف نرد عليها” وفقا لما قاله مسؤول بارز لصحيفة واشنطن بوست. ولوحظ انه بعد ان ردت الميليشيات الموالية لايران على الغارة الاميركية الاخيرة بقصف مواقع للجنود الاميركيين في سوريا، سارعت هذه القوات للرد عليها بقصف مدفعي.
ويرى المسؤولون الاميركيون أن ازدياد وتيرة هجمات الميليشيات الموالية لايران على المواقع الاميركية في العراق، وخاصة من قبل مسيرات متطورة وموجهة بدقة يعكس قراراً ايرانياً بالضغط العسكري على الولايات المتحدة في العراق للتأثير على وتيرة المفاوضات في فيينا.
وفي هذا السياق، وضع محللون عسكريون قرار الولايات المتحدة الاخير بسحب بطاريات صواريخ باتريوت من السعودية والعراق، واغلاق بعض القواعد العسكرية ومخازن الاسلحة في قطر ونقلها الى الاردن، في سياق حرمان ايران من قصف بعض هذه المواقع وخاصة في العراق.
حتى الان، أدى التصعيد العسكري الأخير الى خلق تطورات ومحاذير داخل العراق والولايات المتحدة. بعد الغارة الأميركية في نهاية الاسبوع الماضي، سارعت الحكومة العراقية الى ادانة الغارة بلهجة قوية واعتبارها انتهاكا سافراً “لسيادة العراق” كما قال الناطق العسكري العراقي يحيى رسول، الذي اضاف ان بلاده لا تريد ان تتحول الى مسرح لقوى خارجية تريد ان تصفي حساباتها .
هذا الموقف العراقي دفع بالرئيس بايدن للقول انه أمر بالغارة العسكرية للرد على الهجمات التي استهدفت الجنود الاميركيين، “والبند الثاني (من الدستور) يعطيني هذه الصلاحية” بصفته القائد العام للقوات المسلحة بما في ذلك حق الدفاع عن النفس. وفي اشارة لافتة قال بايدن ان اعضاء الكونغرس المترددين في الاعتراف بانه يتمتع بمثل هذه الصلاحيات، يدركون انه قام بالشيء المناسب.
اشارة الرئيس بايدن الى الكونغرس جاءت كرد على تساؤلات وشكوك عبّر عنها بعض اعضاء الكونغرس من الديموقراطيين الذين يتخوفون من دخول الولايات المتحدة في دورة من الضربات والضربات المضادة مع ايران والتي يمكن ان تخرج عن السيطرة. وكان السناتور الديموقراطي كريستوفر مورفي قد قال ان بايدن يتمتع بصلاحية الرد العسكري لحماية القوات الاميركية، ولكنه رأى ان استمرار “هذا النمط من الاشتباكات” يتطلب قيام الرئيس بايدن بالتشاور المسبق مع الكونغرس وفقا “لقانون صلاحيات الحرب”. تقليدياً، يحاول الرؤساء الاميركيون تفادي مثل هذه المشاورات المسبقة مع الكونغرس لانها تقلص من حريتهم باتخاذ القرارات المتعلقة بالاستخدام المحدود للقوة العسكرية. موقف السناتور مورفي ليس موقفاً معزولاً، بل يعكس مشاعر متزايدة في الكونغرس حول ضرورة تخفيض القوات الاميركية في الشرق الاوسط وتفادي استخدام القوة العسكرية.
وفي حال استمرار هذه المواجهات العسكرية، فإنها ستعمق من مأزق حكومة مصطفى الكاظمي في العراق والتي تحاول التوفيق بين حاجتها للدعم العسكري الاميركي، وتفادي ضغوط قوات الحشد الشعبي التي تنضوي تحت مظلتها الميليشيات التي استهدفتها الغارات الاميركية. هذه التطورات تأتي في الوقت الذي تواجه فيه حكومة الكاظمي استياء شعبياً بسبب الازمة الاقتصادية وسوء الادارة كما تبين قبل ايام حين انهارت خدمات الطاقة الكهربائية في البلاد بشكل غير مسبوق وسط موجة حر خانقة عمت البلاد.
ويرى بعض المراقبين في واشنطن أن ايران تسعى لاستغلال التصعيد العسكري ضد القوات الاميركية في العراق وسوريا للضغط على واشنطن في مفاوضات فيينا النووية، وللضغط على ادارة الرئيس بايدن في واشنطن من خلال توتير السجال في الكونغرس، حتى بين الرئيس وبعض اركان حزبه الديموقراطي، في الوقت الذي يسعى فيه بايدن الى الانسحاب العسكري النهائي من افغانستان، وتخفيض حجم الوجود العسكري بشكل عام في منطقة الشرق الاوسط. استمرار التوتر والاشتباكات العسكرية، سوف يؤدي الى جدال أوسع في واشنطن حول مستقبل القوات الاميركية في العراق وسوريا، كما ان نفاذ صبر واشنطن وطهران المشترك بشأن بطء مفاوضات فيينا، يعني ان كلاً من العاصمتين سوف تضطر لحسم قرارها بسرعة نسبية، لان استمرار المفاوضات بشكل مفتوح ليس من مصلحة أي منهما.