بقلم: يوسف السندي – الراكوبة
الشرق اليوم- تعلم السودانيون دروسا قاسية بعد أن أسقط الانقلابيون حكومتي الديمقراطية في 1969 و 1989 وقطعوا على الشعب عملية التطور والتقدم نحو بناء الأمة الواحدة والدولة المتطورة، لا يريد الشعب أن تتكرر هذه الدروس مجددا بعد انتصار ثورة ديسمبر، لذلك هناك حرص شديد واهتمام متعاظم من الثوار بحماية الثورة والعبور بها فوق التعقيدات الكثيرة التي يعاني منها السودان، وأخطر هذه التعقيدات هي التمكين والحرب والفقر وضعف وهشاشة البناء السياسي للأحزاب، قد تستطيع الثورة تفكيك التمكين وإيقاف الحرب باتفاقيات السلام ولكن أكبر عقبتين يواجههما السودان الآن هما الانهيار الاقتصادي وضعف الأحزاب السياسية.
في مجال الاقتصاد اتجهت الحكومة الانتقالية نحو المعالجات الرأسمالية، وهي معالجة صعبة وقاسية ولكن يبدو أن الحكومة لم تجد أمامها خيارا اخرا، خاصة وأنها لا تستهدف بهذا التوجه التنكر لمباديء العدالة الاجتماعية وإنما تستهدف بالأساس إعفاء الديون الضخمة وإعادة إدماج السودان في السوق العالمي والتقرب من القوى الاقتصادية الأعظم في العالم. جميعنا يعلم أن الاقتصاد في نهاية الأمر يعتمد على الإنتاج والإنتاج عملية داخلية، لذلك لن تنجح أي دولة في بناء تطورها الاقتصادي بالاعتماد الكلي على الاخرين، وإنما بالاعتماد على مقدراتها ومورادها وطاقاتها البشرية، ويبدو أن الحكومة الانتقالية تعلم ذلك حيث سمعنا جميعا رئيس الوزراء في أكثر من حديث مؤخرا يتطرق إلى ضرورة العمل على الإنتاج والموارد الذاتية، وهو ما يؤكد قولنا السابق بأن الرأسمالية المقصودة ليست مقصودة كعقيدة مستمرة وإنما كمعبر سيتم التفكير فيها ومراجعتها إذا لم تحقق أهدافها.
بالنسبة للأحزاب السياسية فهي تمثل في العصر الراهن ارفع مستويات تنظيم الجماهير في قضايا الحكم والسياسة، وتمثل الأحزاب طوب بناء الأمة الذي إذا تماسك، تماسكت الأمة، وإذا انفرطت، انفرط عقد الأمة وتحولت إلى تكتلات فوضوية تعتمد على القبلية والجهوية والعرقية، لذلك وجود أحزاب ضعيفة خطر يجب معالجته، وضمن ذلك إيقاف الهجوم على الاحزاب، الذين يستهدفون الأحزاب من أجل هدمها إنما يهدمون جسرهم الوحيد الذي سينقلهم إلى الديمقراطية وحكم القانون، فلينتبه الكثيرون، صحيح الأحزاب السياسية ضعيفة وهشة و(ماشة بالبركة) ولكنها حتى وهي ضعيفة أفضل من عدم وجودها. العمل على تقوية الأحزاب السياسية عبر تطوير وتوحيد ومأسسة الأحزاب الموجودة أو إنشاء أحزاب سياسية جديدة قوية هي الممارسة المطلوبة من أجل تجهيز الطوب لبناء الدولة السودانية القوية.
عليه، مهم أن تنصرف الأحزاب السياسية نحو الاهتمام بشيئين: أولهما توحيد الأحزاب، توحيد أحزاب الامة، توحيد الأحزاب الاتحادية، توحيد أحزاب الإسلاميين، وتوحيد الفصائل الشيوعية، توحيد الأحزاب سيزيدها قوة، ويزيد بالتالي من قوة تماسك جوهر الطوب الذي يبني الأمة والدولة. ثانيهما اكمال بناء مؤسساتها الحزبية بشكل ديمقراطي عبر عقد مؤتمراتها العامة واختيار قياداتها الجديدة. هذا على صعيد الأحزاب الموجودة فعلا وناشطة على أرض الواقع كاحزاب سياسية، بينما هناك تشكيلات تمارس السياسة ولكنها ليست أحزاب مثل الحركات المسلحة، هذه الحركات عليها ان تتحول إلى أحزاب سياسية ان أرادت الدخول مستقبلا في سباق السلطة، تحول الحركات إلى أحزاب سياسية سيدعم الواقع بأحزاب جديدة ويقلل من فرص انهيار الدولة وانتكاس الأحزاب نحو القبلية والجهوية.