بقلم: الهاشمي نويرة – صحيفة البيان
الشرق اليوم- أعلن الجمعة، رضا الردّاوي، عضو هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، أن رئيس حركة «النهضة الإخوانية»، راشد الغنوشي، تدخل رأساً وشخصياً في أعمال مجلس القضاء العدلي، من أجل إنقاذ القاضي وكيل الجمهورية السابق، بشير العكرمي، الذي تُثار بشأنه شبهات عديدة، بخصوص تعاطيه مع عددٍ كبير من الملفّات الإرهابية.
وهيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي، اللذين وقع اغتيالهما سنة 2013، كثيراً ما وجّهت أصابع الاتهام لحركة «النهضة الإخوانية»، بالتدخّل في القضاء، وفي سير التحقيق في القضية، وهو ما كانت الحركة الإخوانية تنفيه باستمرار.
وكانت الهيئة كشفت نهاية الأسبوع الماضي، عن تفاصيل تقرير للتفقدية العامّة لوزارة العدل، جاء فيه أنّ القاضي البشير العكرمي، أساء التصرّف في 6 آلاف ملفّ قضائي إرهابي، إمّا بإتلاف الوثائق، أو بعدم تسجيلها، بما يجعلها عرضة للسرقة أو الإتلاف، وبدا واضحاً أنّ إجماعاً حاصلاً في تونس، بخصوص وجود اختراقات متعدّدة الأوجه للمنظومة القضائية، وهو اعتقاد ما انفكّ يترسّخ، إذْ، وإضافة إلى التقرير المسرّب عن التفقدية العامّة لوزارة العدل، الذي كشف مظاهرة مرعبة من رعاية الإرهاب والإرهابيين، جاء تصريح الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، القاضية روضة القرافي، لإذاعة محلّية، ليؤكّد أنّ المنظومة القضائية تمّ توظيفها أيضاً لفائدة لوبيات الفساد المالي المتواطئة، برعاية وتوجيه من حركة «النهضة الإخوانية»، وذلك بحسب كلّ الذين كشفوا هذه الاختراقات المستمرّة إلى الآن، والتي تعود كذلك إلى فترة حكومة يوسف الشاهد.
كما أنّ الإجماع حاصل على أن «النهضة الإخوانية» ضالعة في رعاية هذه الاختراقات، التي عصفت باستقلالية القضاء، وأصابت المنظومة القضائية بمقتل، حتى إنّه جاز القول إنّ أصابها من الدمار ما لحق بنكازاكي وهيروشيما من دمار خلال الحرب العالمية الثانية، نتيجة للقصف الذرّي، ذلك أنّ تقرير التفقدية العامّة لوزارة العدل الذي اتّهم قاضياً سامياً برعاية الإرهاب، وكذلك حديث الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، التي أكّدت فيه أنّ أطرافاً وظّفت المنظومة القضائية لحماية لوبيات الفساد المالي، كان لهما تأثير القنبلة الذرية في المنظومة القضائية.
وإنّه من المؤسف والمدان، أن يقع تحويل الدولة التونسية إلى دولة «مارقةٌ» مؤسّساتُها، وأن يتمّ كلّ ذلك برعاية من ائتمنهم الشعب على رعاية مصالحه، وهي جهات لا تزال تصّر – أو على الأقلّ جزء منها – على أن تكون جناحاً سياسياً للإرهاب، أكثر منها حركة سياسية مدنية، تقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية، وتؤسّس لانتقال ديمقراطي فعلي، يبعث ببعض الأمل في نفوس التونسيين، الذين أنهكتهم الأزمات.
وإنّ ما لحق المنظومة القضائية، غير بعيد عمّا تشهده المنظومة الأمنية، التي تعيش على وقع تغييرات وتعيينات، الهدف منها وضع اليد على أجهزة الدولة الحسّاسة، وإفراغها من كفاءاتها، حتّى إنّه تكاد تكون هذه الأجهزة أُفْرِغَتْ من كلّ خرّيجي الجامعة التونسية، ليحلّ محلّهم من أدّى ويؤدّي واجب الطاعة والولاء لحركة «النهضة الإخوانية».
ولعلّه من المفيد التذكير، أنّ محاولات اختراق المنظومة الأمنية، هي من المآخذ القارّة والقديمة، التي توجّهها الأطراف السياسية والمجتمعية إلى حركة «النهضة الإخوانية»، والتي كانت تنفيها دوماً، دون أن تنجح في إقناع المجتمع بسلامة حججها، وبخُلُوِّ سلوكها السياسي من شوائب العلاقة مع التطرّف والإرهاب.
ويأتي الاعتداء على عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحرّ، تحت قبّة البرلمان، ليضيف إلى شبهات رعاية الفساد المالي والإرهاب، شبهة رعاية الإجرام داخل مؤسّسات الدولة، وقد جاء بالتصريح، لا بالتلميح، على لسان رئيس الجمهورية قيس سعيّد، أنّ «الاعتداء تمّ الترتيب له قبل ثلاثة أيّام»، وهو ما يُفيد أنّ نوعاً من الوفاق الإجرامي، يهدّد أمن النواب، وسير العمل في مجلس الشّعب، بما يطرح أكثر من سؤال حول سلامة المنظومة السياسية برمّتها، والتي تحوّلت بالتدريج إلى منظومة في خدمة شقّ من «النهضة الإخوانية»، طغى وتجبّر، حتّى داخل حزبه، وفي المجتمع والدولة، ولم يجد إلى الآن من يصدّه.
ونعتقد أنّه ما كان لحركة «النهضة الإخوانية» لتطغى، لولا تواطؤ بعض القوى الإقليمية والدولية، التي لا تزال تصرّ على أنّ حركة الإخوان الدولية، هي جزء من الحلّ في دولنا، في حين أنّه من البيّن، أنّ حركة الإخوان هي مصدر كلّ خراب الدول والأوطان.
إنّ أمام رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، مهمّة تاريخية لا يمكنه التخلّف عنها، وهي إنقاذ الدولة ومؤسّساتها وتنقيتها من أجنحة الإرهاب الأمنية والقضائية والسياسية، وذلك حماية للوطن والمجتمع، ونحن من الواعين تماماً بأنّه يمتلك الأدوات الدستورية والشعبية لتحقيق هذه المهمّة، علماً بأنّ القانون الدولي قيّد ممارسات الدول التي يمكن أن يحاسب مسؤولوها دولياً، خاصة بالنسبة لموضوع الإرهاب وتبييض الأموال، والعنف ضد المنتخبين.