الرئيسية / مقالات رأي / العراق وجيرانه: مِن الهِلال الشيعي إلى الشرق الجديد

العراق وجيرانه: مِن الهِلال الشيعي إلى الشرق الجديد

بقلم: إياد العنبر – الحرة

الشرق اليوم- تتجاذب دول المَشرق والخليج العربي مشاريع السيطرة والنفوذ لإرادات دول إقليمية فاعلة، بعضها يقدّم نفسه بإيديولوجيات دينية-طائفية بصماتها واضحة على الدول الهشّة، ويقابله مشروع شراكة اقتصادية لفرض واقع جديد في المنطقة يتم فيه تقبّل إسرائيل كشريك إقليمي ليس مع الدول المجاورة فحسب، وإنما مع دولٍ فاعلة ومستقرّة اقتصادياً في الخليج والمغرب العربي.

وحتّى قمّة بغداد الثلاثية، التي أتت استكمالاً لحوارات لقاءات عَمّان والقاهرة، لم يكن ثمّة مشروع تحالف عربي (يحمل عنوان شراكة اقتصادية) مِن شأنه أن يكون منافساً لمشاريع الإرادات الإقليمية التي تتعامل مع البلدان العربية كساحات للنفوذ وليس شركاء في مشروع.

لعلَّ الخطوة الأهم في مشروع الشَّرق الجديد، في حال تحوّله إلى واقع جديد في تفاعلات العلاقات الإقليمية في منطقة الشَّرق الأوسط، هو أن يأتي كخطوة نحو فكّ ارتباط العراق من إطار الهلال الشيعي التي حاولت دول الجوار العربي أن تعتبره رأس الرمح في هذا المشروع. وكانت مخاوف أغلب الدول العربية من هذا المشروع قد عبّر عنها الملك الأردني عبد الله الثاني عام 2004 عندما حذَّرَ مما سمّاه بـ”الهلال الشيعي” في حديث لصحيفة “واشنطن بوست” أثناء زيارته الولايات المتحدة الأمريكية. وحتّى 2014 كانت النظرة إلى العراق على أنه محور الارتكاز في مشروع الهلال الشيعي. لكن خطاب ملك الأردن تغيّر بعد ذلك عندما ميّز بين مشروع شيعي ومشروع إيراني في فعاليات المنتدى الاقتصادي العالَمي في دافوس في عام 2018، والذي حدد الخطر هذه المرة باستخدام مصطلح “الهلال الإيراني”. 

لغاية 2014 كان التعامل مع العراق من قبل جيرانه والدول العربية على أنّه ينتمي لخريطة الجيوسياسية الشيعية، وليس باعتباره بلداً عربياً تم التخلّي عنه في أيّام محنته حين يواجه الإرهاب والتشرذم السياسي تحت ضغط صعود الهويّات الفرعيّة. بل على العكس كان هناك دعم واحتواء للجماعات المتطرفة والأحزاب الطائفية. فالنظر إلى العراق باعتباره دولة تتماهى مع المشروع الإيراني في المنطقة العربية هو من خطايا سوء الإدراك الاستراتيجي في التفكير العربي. فالنظر إلى الشيعة في العراق من خلال منظور مذهبي فقط، وليس باعتبارهم عرب، هو من يسوغ الفجوة بين العراقيين وجيرانهم. ولذلك كانت الدول الجوار العربي للعراق مقصرة عندما ركزت في سياستها الخارجية على مواقفها من الحكومات وتجاهلت العمق التاريخي العربي للمجتمع العراقي.

في العراق، منذ حكومة عادل عبد المهدي وحتّى حكومة الكاظمي لحدّ الآن لم نتجاوز دائرة التوصيفات والشعارات للقاءات القمّة بين بغداد والقاهرة وعمان، إذ لا نعرف ما هي الغاية التي تتوخاها من هذه اللقاءات، وكيف يمكن أن تتجسّد على أرض الواقع. وقد يكون مصطفى الكاظمي تقدَّم خطوةً باتجاه التوصيف عندما عدَّ الشراكة بين الدول الثلاث بمثابة تشكل ملامح (شرق جديد)، لكنّه ظلَّ يراوح ضمن خطاب العموميات من دون تحديد التفاصيل، ولم يتمكّن من تجاوز مرحلة الحديث بالشعارات فقط.

 وفي مقال الكاظمي الأخير الذي نشرته صحيفة الشَّرق الأوسط في 26  يونيو 2021، كرَّر الشعارات نفسها التي نسمعها من رؤساء الحكومات في كلّ لقاء مع دولة عربية، إذ يقول رئيس الوزراء العراقي: “إنّها من وجهة نظرنا، لحظة تاريخية فارقة نتفحص فيها حقيقتَين أساسيتَين؛ أولاهما أن لا طريق لنا نحو المستقبل في منطقة الشَّرق الأوسط من دون أن نتكاتف جميعاً لحفظ كرامة شعوبنا وحقّ أجيالنا القادمة بالحياة الكريمة التي تليق بنا، وثانيتهما أن ذلك لن يتم إلا باستعادة توازنات المنطقة التي يشكّل العراق ركناً أساسياً فيها… الاستقرار والسلم والتعاون والنموّ والأمن المشترك في منطقتنا هي أهداف استراتيجية ستؤطّر المرحلة المقبلة ليس بوصفها تصوّرات وقراءات معزولة، بل لكونها تعبيراً عن ضرورة مصيرية، كلمة السرّ فيها هي (استعادة الثقة).”

حينما يريد العراق الانفتاح على جيرانه، وتحدّي الضغوطات الخارجية والداخلية على هذا القرار، فإنّه يسعى نحو استعاده دوره كفاعل إقليمي وليس البقاء كساحة لتنافس دول الجوار، وهذه الاستعادة تتطلّب أوّلاً من العراقيين تحديد رؤية الشّراكة الإقليمية وتحويلها من إطار الرغبات إلى الواقع العَمَلي الذي يخدم مصلحة المواطن العراقي وليس شعارات فقط، وتتغنى بها حكومات بغداد باعتبارها منجزاً حققته في سياسية العراق الخارجية. وتتطلب من الدول العربيّة الرهان على سياسة النفس الطويل في استقطاب العراق واستعادة ثقته كشريك وحليف استراتيجي، وقد تكون الخطوة الأولى من خلال دبلوماسية تتوجه نحو المواطن العراقي وليس الحكومات فقط. 

الشراكة في الأمن والاقتصاد هي البداية الحقيقة نحو التكامل في العلاقات العربيّة، والعراق الآن بحاجة إلى خبرات الأردن ومصر في مواجهة الجماعات المتطرفة وتجفيف منابع الإرهاب، ويحتاج إلى مصر في تجربة تأهيل البنى التحتية، ومواجهة أزمة الطاقة الكهربائية، ومتابعة نشاطات جماعات الإسلام الجهادي. ويحتاج العراق إلى الأردن باعتبارها بوّابته نحو البحر الأحمر من خلال خليج العقبة، ولذلك في حال تنفيذ مشروع مدّ أنبوب النفط من البصرة إلى العقبة ثم إلى مصر، سيكون نافذة تصديرية لنفط العراق، وفي حال تم ربطه بحقول نفط كركوك يمكن لمثل هذا المشروع الاستراتيجي أن يحقق كثيراً من البدائل لصانع القرار السياسي الخارجي في استخدام ورقة تصدير النفط في الملفّات الخلافية بين العراق وتركيا. 

لا يمكن التعويل كثيراً على لقاءات تنتهي ببيانات خطابية، لكنَّ اللقاءات بين بلدان عربية تريد الانطلاق نحو تفاعل في العلاقات الاقتصادية، هو البداية الصحيحة نحو ترميم علاقات بين دولة عربيّة تواجه تحديات اقتصادية وأمنية مشتركة. والشَّراكة مع اقتصاديات مستقرّة، إذا ما جرت مقارنتها باقتصاد العراق، هو بوابة نحو إعادة الثقة، وتحويل الشَّرق الجديد إلى مشروع تاريخي يدافع عن العراقيّ والأردنيّ والمصريّ وليس فقط عن حكومات تلك البلدان. ومن جانب آخر، في حاله نجاح الخطوات الأوليّة نحو تجسيد الشراكة الحقيقية بين تلك البلدان، قد يفرض نفسه باعتباره مشروعاً اقتصادياً-استراتيجياً جديداً في المنطقة ينافس المشاريع التي تستقطب دولَ المنقطة وتجعلها في حالة من التصارع بدلاً من التكامل. 

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …