بقلم: محمود حسونة – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – ما زالت النوايا غير صادقة لوضع حل للأزمة الليبية، وما زالت بعض الأطراف تتلاعب بمصير الشعب الليبي. والصورة الرائجة بوجود إرادة دولية للحل ليست صحيحة، فهي صورة ظاهرها الحل وباطنها بقاء الوضع على ما هو عليه إلى حين؛ فالتسويق السياسي غالباً ما يكون مختلفاً عن النوايا الحقيقية، وما يؤكد ذلك هي النتائج التي خرج بها مؤتمر «برلين ٢»، والذي توقعناه سيضع النقاط على الحروف وسيمهّد الطريق للانتخابات البرلمانية والرئاسية المحدد لها ٢٤ ديسمبر/ كانون الأول المقبل موعداً، فإذا به يزيد المعقد تعقيداً، ويحوّل المأمول إلى مجهول لا يعرف أحد متى سيكون معلوماً.
«برلين ١» أحيا الأمل في ليبيا موحدة، عصية على الإرهاب، نابذة للميليشيات، طاردة للمرتزقة وللقوات الأجنبية، بعد أن فتح الطريق أمام تغيير الحكومة، وكان أداة التخلص من حكومة الوفاق التي لم تورث الشعب الليبي سوى الانقسام والتذرّر وقطع الأوصال بين المناطق، وفتحت أبواب ليبيا على مصراعيها للطامعين الذين لا يريدون لشعبها سلاماً، ولا يريدون لأهلها وئاماً، واستبدلها بمجلس رئاسي ثلاثي الأضلاع تتمثل فيه مناطق ليبيا الثلاث، وحكومة وحدة وطنية، استبشر بها كل التواقين إلى ليبيا موحدة مستقرة ذاهبة إلى المستقبل ومتحررة من قيود الماضي.
ولأنه لا يمكن إنكار وجود نوايا طيبة لدى بعض الدول الفاعلة في الأزمة الليبية للخروج من النفق المظلم، كان الدعم اللامسبوق للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة، بصرف النظر عن انتماءات أعضائهما السياسية، وفي المقابل نجحت النوايا الخبيثة عند فاعلين آخرين في الأزمة، في تكبيل الحكومة والمجلس عن إنجاز المنتظر منهما، بل ونجح هؤلاء أيضاً في تكبيل «برلين ٢» لتخرج توصياته كثيرة العدد عديمة القيمة، وعاجزة عن تلبية تطلعات الشعب الليبي في تطهير بلاده من المرتزقة والقوات الأجنبية.
وجاءت التوصيات الخاصة بخروج المرتزقة بلا جدول زمني لتفقد قيمتها، رغم أنه لا يخفى على أحد ممن اجتمعوا في برلين أن المرتزقة وأولياءهم لا يريدون خروجاً، وأن القوات الأجنبية الرابضة هناك تحلم بالبقاء سنوات وعقوداً، حتى تنجح في تمهيد الأرض لدولها لمصّ دماء الليبيين واستنزاف ثرواتهم بشكل لا يبقي ولا يذر.
الهمّ الأكبر لمؤتمر «برلين ٢» كان تأكيد ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ٢٤ ديسمبر/ كانون الأول، ولعل «أصحاب المؤتمر» يدركون أنه موعد ليس ببعيد، وأنه لكي يتحقق هذا الحلم لا بد من اتخاذ الكثير من الإجراءات التي تمهّد الطريق للشعب وللمؤثرين فيه لإنجاز هذا الاستحقاق، وأن ذلك صعب التحقيق على أرض فيها الآلاف من المرتزقة، والعشرات من الميليشيات التي ليس من مصلحتها استقرار دولة تمثل لهم الهدف والمطمع. وبالتالي، فإن النجاح في إجراء الانتخابات سيكون مرهوناً بخروج المرتزقة وحلّ الميليشيات، وليس بمجرد إطلاق الأمم المتحدة «تحذيرات» بمعاقبة من يعرقل إجراءها.
وفي الوقت نفسه الذي كان ينعقد فيه مؤتمر الحوار السياسي الليبي في جنيف، الأسبوع الماضي، لدراسة القاعدة التي ستجرى عليها الانتخابات البرلمانية والرئاسية، خرج مسؤول كبير، وهو رئيس المجلس الأعلى للدولة، ليؤكد عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية إذا جاءت على خلاف رغبة من أسماهم بـ«تيار الثورة»، ويقصد بهم الميليشيات التي نشرت الإرهاب واتخذت العنف نهجاً، وبالتالي، فإنه ينسف أي أمل بنجاح العملية الانتخابية، ويدمّر أمل الانتقال السياسي السلمي، ويؤكد أنْ لا استقرار في ليبيا إلا إذا جاءت الانتخابات بمن تريدهم الميليشيات، فضلاً عن الخلافات التي بدأت تدبّ بين المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، والتهديدات التي يتلقاها بعض المسؤولين، والعقبات التي توضع في طريق من يسعون للعمل الجاد مثل وزيرة الخارجية، والخلافات والتباينات بين أعضاء ملتقى الحوار بشأن شروط الترشح والقاعدة الدستورية للانتخابات، كل ذلك لا يبشر بخير، ولا يوحي بإمكانية إجراء الانتخابات في الموعد المحدد والمنتظر.
الإرادة الدولية الحاسمة، وعدم استغلال ليبيا كورقة في لعبة التوازنات بين الكبار، والقرارات الدولية محددة المعالم والتفاصيل والخالية من الثغرات، والإجراءات الأممية الخالية من التهاون، وعدم السماح بالعبث بمصير هذا الشعب لأي من القوى، هي السبيل الأوحد لإجراء الانتخابات الليبية في الموعد المتفق عليه، وهي الضمان لتحقيق الانتقال السياسي، وما عدا ذلك ليس سوى مضيعة للوقت ولعب بمصير شعب يحلم بمستقبل آمن مستقر.