الرئيسية / مقالات رأي / لا خشية من “طالبان” اليوم.. رؤية “براغماتية” وراء الانسحاب الأميركي من أفغانستان

لا خشية من “طالبان” اليوم.. رؤية “براغماتية” وراء الانسحاب الأميركي من أفغانستان

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي

الشرق اليوم- حركة “طالبان”، وتعني حركة الطلاب؛ لأنها تشكلت بداية من الطلاب الذين يدرسون الشريعة الإسلامية في باكستان. يغلب على عناصر هذه الحركة انتماؤهم إلى عرق “البشتون”، وعلى ذلك هي حركة ذات أهداف دينية وقومية، فقد أعلنت قيام “إمارة أفغانستان الإسلامية” (بعد السيطرة على العاصمة الأفغانية كابول في 27 أيلول/سبتمبر 1996)، على أساس إقامة حكومة إسلامية على نهج الخلافة الراشدة. وقد تمددت هذه الحركة واكتسبت قوتها في أقاليم البشتون في المنطقة الواقعة بين باكستان وأفغانستان.

وتدل الظروف التاريخية التي ظهرت فيها حركة “طالبان” – وأهمها أنها ظهرت في أعقاب انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان – الى أن هذه الحركة ما زالت تمثل عصا سحرية لقوى خارجية تريد السيطرة على الوضع في أفغانستان. 

وهذا الأمر يفسر استمرار قوة هذه الحركة حتى اليوم، نتيجة الدعم الخارجي الذي تتلقاه، ونتيجة اهتمام القوى الدولية والإقليمية المحيطة بأفغانستان بالسيطرة على الوضع هناك، للحفاظ على مصالحها. فدولة باكستان دعمت هذه الحركة منذ البداية لحماية قوافل تجارتها نحو دول آسيا الوسطى. كما دعمت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في الخليج هذه الحركة؛ لسد الفراغ بعد الانسحاب السوفياتي والقضاء على الشيوعيين. وكذلك، من أجل إيجاد توازن في التركيبة السياسية داخل أفغانستان؛ لإضعاف أمراء الحرب من القوميين والشيوعيين والإسلامويين؛ بما يطوع المشهد هناك لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية.  فضلاً عن محاصرة النفوذ الإيراني تجاه جمهوريات آسيا الوسطى وبحر قزوين من خلال إيجاد حائط صد، مثلته هذه الجماعة الإسلاموية السنية القومية المتشددة.

وبعدما تضخم وتعاظم وحش هذه الحركة – حيث امتد خطر “طالبان” إلى داخل الأراضي الأميركية (حادثة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001)، كما طال تهديدها المصالح الأميركية في المنطقة؛ باحتوائها تنظيم “القاعدة الإرهابي” – غزت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها أفغانستان في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2001، وأسقطت حكومة “طالبان” وأعلنت عملية “الحرية الباقية” التي استمرت في الحرب ضد حركة “طالبان” وتنظيم “القاعدة” حتى عام 2014. واستكملت مشوارها تحت عنوان “حارس الحرية” منذ عام 2015 حتى الآن.

الانسحاب الأميركي

تعد الحرب في أفغانستان، أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، وقد أنهكت تكلفتها الخزانة الأميركية، إلى جانب الخسائر البشرية، ما دفع الإدارة الأميركية إلى تعديل استراتجيتها في التعامل مع أفغانستان، وبدأت اتخاذ مسار المحادثات مع حركة “طالبان” من خلال وساطة دولة قطر، منذ عام 2011، إلى أن تم افتتاح مكتب سياسي للحركة الأفغانية في الدوحة عام 2013. ثم جاء الرئيس الأميركي الجمهوري السابق، دونالد ترامب، وسرع هذه المحادثات للوفاء بوعوده الانتخابية، ومنها الخروج من أفغانستان بعدما أصبحت الحرب تؤثر في الاقتصاد الأميركي. ثم جاء بعده الرئيس الديموقراطي، جو بايدن، الذي أكد انسحاب القوات الأميركية بحلول 11 أيلول من عام 2021.

وقد شرعت القوات الأجنبية في مغادرة أفغانستان من دون انتظار تسوية سياسية؛ الأمر الذي أدى إلى توسيع حركة “طالبان” في الأيام الأخيرة من وتيرة عملياتها الهجومية. وهو ما أثار مخاوف القوى الإقليمية والدول المجاورة من عودة سقوط أفغانستان في يد هذه الحركة المتشددة.

علاقة براغماتية

كان التحول الأميركي في التعامل مع حركة “طالبان” إيذاناً ببدء علاقة براغماتية معها؛ بخاصة أن تركيبتها القومية إلى الجانب الديني، جعل لهذه الحركة أهدافها الخاصة التي يمكن للإدارة الأميركية توظيفها في خدمة مصالحها في أفغانستان وما حولها. 

وقد لعبت العلاقات المتنافسة والمتصارعة في جوار أفغانستان، بين الهند وباكستان، والصين والهند، والولايات المتحدة وروسيا والصين وإيران، دوراً في تعزيز النظرة البراغماتية لدى حركة “طالبان”؛ للاستفادة من هذه التنافسيات والصراعات؛ لدرجة أن دخول عنصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في المعادلة الأفغانية؛ جعل الحركة تنفتح على علاقات كانت مرفوضة بالأمس، مثل العلاقات مع إيران وروسيا والصين. 

والقوى المجاورة لأفغانستان تستعد لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي. والولايات الأميركية أيضاً تريد الاستفادة من حركة “طالبان” بما يخدم استراتيجيتها القادمة نحو آسيا. ولذلك، نجد حركة “طالبان” تسارع إلى احتلال مراكز الولايات والسيطرة على إدارة المناطق والمعابر الحدودية؛ بما يضع الحركة في موقف قوي في حالة التفاوض مع حكومة كابول، أو في حالة التواصل مع القوى الخارجية.

وتُظهر مسارعة واشنطن للخروج من دون ترتيب البيت السياسي في أفغانستان، وكذلك التصريحات الإقليمية التي تطالب بالحوار بين الحكومة الرسمية في كابول وحركة “طالبان”؛ أن أفغانستان مقبلة على مرحلة جديدة، تسعى فيها القوى الخارجية الى الخلاص من عقبة “طالبان” والاستفادة منها في دعم مشاريعها ومصالحها داخل أفغانستان وخارجها. حيث تريد هذه القوى تمهيد الطريق إلى ما وراء أفغانستان؛ خاصة أن الولايات المتحدة الأميركية شرعت عملياً لإسراع استراتجيتها “نحو آسيا”؛ فهي لا تستعد للخروج من المنطقة؛ بل تقوم بعملية تغيير في سياستها بما يخدم الاستراتجية الجديدة.

ولا يعني ذلك، أن الولايات المتحدة تريد وصول حركة “طالبان” إلى الحكم؛ ولكن تريد منها الانخراط في العملية السياسية، مع وضع سقف من النفوذ والمكاسب لها، بما يدعم استراتجيتها الجديدة في المنطقة الآسيوية، بخاصة أن أفغانستان جزء من رقعة الشطرنج في لعبتها. 

الأهمية الاستراتيجية

على الرغم من أن أفغانستان دولة حبيسة ولا تطل على مياه بحرية؛ إلا أنها تعد معبراً مهماً للدول المجاورة؛ فهي تقع وسط المناطق الآسيوية الرئيسية مثل آسيا الوسطى وجنوب القارة وغربها والشرق الأقصى؛ حيث تربط بين دول أسيا الوسطى والقوقاز والصين وبين دول مثل باكستان والهند وإيران وروسيا والمحيط الهندي. والأمر لا يقتصر على عبور التجارة؛ بل يمتد إلى عبور خطوط الطاقة من دول آسيا الوسطى نحو مياه المحيط الهندي وبحر العرب، مثل خط تابي (TAPI)، الذي ينقل الغاز الطبيعي من تركمانستان إلى باكستان، ثم الى الهند، عبر أفغانستان. فضلاً عن امتلاك أفغانستان ثروات طبيعية عديدة، كالنفط والغاز والمعادن مثل الذهب والنحاس والحديد والكوبالت والليثيوم، وهو ما يمكن أن يكون مفتاحاً لنهضة أفغانستان اقتصادياً.

وهذه الأهمية هي ما تدفع القوى الدولية والإقليمية إلى التنافس على أفغانستان؛ بخاصة أن أفغانستان تمثل بوابة مهمة لدول جوار آسيا الوسطى وباكستان وإيران والهند والصين. ولذلك، نجد هذه الدول تنفتح في علاقاتها مع حركة “طالبان”؛ لأنها تريد الانتقال إلى مرحلة جديدة؛ تكون العلاقة البراغماتية وإدارة المصالح والمكاسب الاقتصادية والأمنية هي الحاكمة.

وتتعزز هذه الأهمية الاستراتيجية مع مشاريع كبرى، مثل مشروع الصين “الحزام والطريق”، الذي يجعل من أفغانستان بوابة مهمة للربط بين الصين والدول المشاركة في هذا الحزام الاقتصادي. 

إيران ورؤية جديدة

بالنظر إلى التطورات التي تشهدها إيران؛ من صعود رئيس محافظ إلى مقعد الرئاسة، والعودة إلى التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية؛ نجد طهران تقدم رؤية براغماتية تجاه حركة “طالبان”؛ حيث يقوم إعلام المحافظين ودائرة المرشد الأعلى بالترحيب بالانسحاب الأميركي من أفغانستان، ورسم صورة جديدة لـ”طالبان”؛ وكتبت صحيفة كيهان المقربة من المرشد الأعلى، السبت 26 حزيران 2021، أن حركة “طالبان” قد تغيرت وأنها لا تقتل الشيعة في أفغانستان. وهو ما يدل الى أن النظام يحاول الدخول في مرحلة جديدة مع حركة “طالبان” بما يخدم المصالح الإيرانية. وهو ما انتقده سياسيون في الداخل الإيراني؛ حيث قال السياسي، جلال خوشتشهره، في مقالته في صحيفة “ابتكار”: “إن عودة “طالبان” لن تحمل خيراً للشعب الأفغاني، فإن إعطاء صورة حسنة عن حركة “طالبان” والقول إنها أصبحت مختلفة عن السابق هو مخالف للواقع”.

والواضح أن إيران تحتاج إلى أفغانستان أياً كان من يحكمها من أجل دعم مصالحها الاقتصادية التي تعطلت كثيراً بسبب الوجود الأميركي. ومنها نقل الطاقة نحو الصين، والتعاون مع الصين في مشروع الحزام والطريق، ودعم حركة الترانزيت من الصين والهند نحو أوروبا عبر ممر جنوب – شمال.

فضلاً عن أن التقارب مع “طالبان”، ساعد طهران على مواجهة خطر “داعش” على حدودها، فإيران لديها 572 ميلاً من الحدود المشتركة مع أفغانستان. و”طالبان” كانت شريكاً مهماً لإبعاد خطر “داعش” والتنظيمات الإرهابية المعارضة عن هذه الحدود.

كما أن انفتاح طهران على حركة “طالبان”، سيساعدها على أن يكون لها دور في مستقبل أفغانستان والاستفادة من أهمية هذا البلد، في إدارة رقعة الشطرنج مع قوى مثل الولايات المتحدة الاميركية والصين وروسيا.

قوى أخرى

كل القوى الأخرى المحيطة بأفغانستان تحمل الرؤية الإيرانية نفسها تجاه “طالبان”؛ لأن هذه الرؤية شكلتها الرؤية الاميركية ذاتها تجاه مرحلة ما بعد انسحاب القوات الأجنبية من هناك، بخاصة أن هذه القوى ستسارع إلى استقرار أفغانستان وستطالب بالحوار مع “طالبان” بدلاً من الصراع والاقتتال معها؛ إذا استجابت لذلك؛ خشية من تحول أفغانستان إلى فخ لقوى مثل الصين أو روسيا. 

ولذلك، نجد دولة مثل الهند تقيم علاقات مع حركة “طالبان”؛ خشية على مصالحها في أفغانستان في ظل تنامي نفوذ هذه الحركة. 

كما أن البعد الجغرافي سيلعب دوراً في تحديد من سيكون اللاعب الأنشط داخل أفغانستان؛ فدول مثل باكستان وإيران والصين ودول آسيا الوسطى متجاورة مع الحدود الأفغانية؛ بينما دول مثل روسيا والهند وتركيا، ستكون في حاجة إلى دعم الدول المتجاورة لدعم مصالحها داخل أفغانستان. ولذلك، ستحاول الدول المتجاورة دعم نفوذها داخل أفغانستان بما يعزز مكانتها ودورها الإقليمي. 

وعلى أساس البعد الجغرافي، ستجد دولة مثل تركيا صعوبة في دعم مصالحها داخل أفغانستان؛ إن لم تعزز من علاقاتها مع الدول المتجاورة، وهو ما يفسر اهتمامها بالتعاون المستمر مع دول آسيا الوسطى وباكستان. حيث تسعى تركيا إلى لعب دور الحارس البديل بعد رحيل القوات الأجنبية؛ فقد استخدمت تركيا الملف الأفغاني في إصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية؛ حيث اتفقت على تدريب القوات الأفغانية في قاعدتها بدولة قطر. وأن تقوم بمهام تأمينية للمنشآت الحيوية داخل أفغانستان مثل مطار “كابل” المدني. لكن هذه المهمة ستكون صعبة مقارنة بدول الجوار التي تمتلك أدوات نفوذ أقوى داخل أفغانستان. 

والتخوفات من وقوع حرب أهلية أو صراعات طائفية داخل أفغانستان؛ ربما لن يقع بسبب عودة “طالبان” إلى السلطة؛ ولكن بسبب القوى الخارجية التي ستحاول إيجاد موطئ قدم لها من خلال دعم جانب موال لها داخل أفغانستان؛ حيث تقترب إيران من الشيعة والأعراق الآرية داخل أفغانستان؛ بينما تحافظ روسيا على علاقاتها مع الأقليات في المدن الشمالية، وتركيا تبحث عن جذورها العثمانية والعرقيات ذات الأصول الطورانية. 

والمشهد في أفغانستان؛ لا يستبعد تكرار سيناريوات مصير العراق؛ إذ ستسعى إيران إلى احتلال المكانة الأميركية بعد رحيل القوات الأجنبية، وستطمح تركيا إلى المساندة الأميركية والأوروبية للحضور داخل أفغانستان؛ بذريعة التصدي للنفوذ الإيراني وتحقيق التوازن أمامه.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …