افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – خطاب الرئيس الصيني شي جين بينج، في الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الحاكم، وجّه رسائل عدة، واتسم بنبرة شديدة تذكر بتصميم هذا العملاق الآسيوي الطموح على انتزاع المكانة الدولية التي يرى نفسه جديراً بها، متعهداً بتعزيز قوة الجيش لحماية سيادة البلاد وأمنها وتنميتها وصعودها إلى مستوى المعايير العالمية.
هذا الخطاب المشحون بعبارات التحدي جاء بمناسبة ذكرى وطنية صينية لها رمزيتها ودلالتها، وتزامن مع وضع دولي يشوبه التوتر، والحديث المتكرر عن حرب باردة متعددة المحاور بين القوى الكبرى، وأساسها بكين في مقابل واشنطن وحلفائها الغربيين. وهذه حقيقة تبدو واقعية، رغم محاولات الإنكار والتلاعب الدبلوماسي بالألفاظ. ولم يذكرها شي جين بينج صراحة، لكنه تحدث بأدواتها حين توعد «أعداء» بلاده بالسحق، وقال إن «زمن التنمر على الصين ولى إلى غير رجعة»، سارداً تاريخاً حافلاً لشعبه في مواجهة حروب الأفيون والاستعمار الغربي والغزو الياباني، قبل أن يطلق عبارة بالغة الدلالة «الشعب الصيني نهض».
معالم القوة الصينية الصاعدة لا تخفى على أحد، وحتى القوى الغربية، التي تكابر في الاعتراف، تقر بذلك وتحاول إيجاد سبل للتعايش مع هذه الحقيقة، فالرئيس الأمريكي جو بايدن أكد قبل أيام أن بلاده لا تريد صراعاً مع الصين، بل توافقاً يراعي مصالح كل الأطراف. أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فأكد أن الكثير سيتغير حين يعي الجميع في الولايات المتحدة أن العالم ليس أحادي القطب، وضرب على ذلك مثلاً بالصين التي كان ناتجها المحلي الإجمالي في عام 1991 يمثل 20% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، أما اليوم فهو 120%. ومن المفارقة أن بوتين لم يضرب المثل ببلاده، بل بحليفته الصين التي أصبحت معدلات نموها وتطورها مفحمة لمن ينكرها أو يتردد في التعامل معها.
الصين دولة عظمى لها مقومات قد لا تمتلكها دول أخرى، بما فيها الولايات المتحدة والإمبراطوريات الأوروبية السابقة، فقد استطاعت هذه الدولة في زمن قياسي أن تسيطر على مسالك التجارة العالمية، وأن تضخ تريليونات الدولارات في استثمارات ضخمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ المعاصر، وتمتلك صناعة تكنولوجية فائقة الدقة، ومشاريع فضائية متقدمة واسعة الطموح، فضلاً عن شعب يقدّر تعداده بنحو 1.4 مليار نسمة، بما يمثل قوة بشرية هائلة عملت طويلاً بصمت بعيداً عن الأضواء والصراعات حتى بلغت اللحظة الحاسمة.
تطور دولة بحجم الصين قد يشكل فرصة للعالم أجمع وليس تهديداً، بشرط أن يأخذ مسار هذا التطور والنمو في الاعتبار مصالح الآخرين، ويؤمن بضرورة التكامل والتعايش مع جميع الأطراف والمكونات. واحتراس البعض من تنامي القوة الصينية، مردّه أن أغلب الشعوب عانت من تسلط القوى الكبرى. والصين، التي عانت من العسف والاستعمار والتنكيل، عليها أن تقدم نموذجاً مختلفاً عما سبق، لا يتجاوز مصالح الآخرين، ويسمح لها ببلوغ القمة والمساهمة في صياغة عصر جديد.