بقلم: د. منار الشوربجي – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – قصة الأجسام الطائرة العصية على التفسير ليست جديدة في الولايات المتحدة. فتلك الظاهرة الغريبة، شاهدها طوال القرن العشرات من الأمريكيين، بمن فيهم عدد لا بأس به من الطيارين المدنيين والعسكريين. وهناك أفلام تسجيلية صنعها أمريكيون عاديون، وشهادات كثيرة بما فيها شهادات لعسكريين سابقين شغلوا مناصب رفيعة.
ويقول شهود تلك الوقائع إن تلك الأجسام رأوها ليلاً ولم تكن تشبه أي شيء يعرفونه. ووفقاً لشهاداتهم، فهي ذات ضوء ساطع ولا تشبه الطائرات، وبعضها فقط يشبه الأطباق الطائرة، وبعضها الآخر له أشكال متعددة أخرى. وهي تتحرك بسرعة خاطفة وغير منتظمة، مجافية لقوانين الفيزياء. وهي كما تسطع عند ظهورها وتقترب أحياناً بسرعة شديدة تصيبهم بالهلع، فإنها تختفي بشكل مفاجئ. وبعض الشهود قالوا إن ضجيجاً مفزعاً صاحب بعضها، بينما لم يصحب بعضها الآخر مثل ذلك الضجيج.
وقد ظلت الحكومات الأمريكية المتعاقبة تنكر وجود مثل تلك الظاهرة أصلاّ، ووجّهت لشهود تلك الوقائع اتهامات كثيرة بدءاً من الكذب والاختلاق، ومروراً بالهلاوس البصرية، ووصولاً للانسياق وراء نظريات المؤامرة. أما الشهود، فقد اعتبر بعضهم تلك الأجسام قد جاءت من الفضاء الخارجي وأنها تمثل حملات استكشافية من جانب كائنات فضائية، مثلما يقوم أهل الأرض بالسعي لاستكشاف الكواكب الأخرى.
واعتبر آخرون تلك الظواهر تهديداً مباشراً للأمن القومي الأمريكي ينبغي مواجهته أو هي تحذيرات من جانب كائنات فضائية لسكان كوكب الأرض. غير أن كل هؤلاء اتفقوا على شيء واحد هو اتهامهم للسلطات الأمريكية بإخفاء حقيقة تلك الظواهر عمداً، واعتبروا أن شهادات الطيارين العسكريين تحديداً، وإن كانت قليلة، يستحيل معها أن تكون الولايات المتحدة تجهل طبيعة تلك الظاهرة. وقلة الشهادات سببها أن الاتهامات التي توجّه لصاحبها صارت تمثل ردعاً لأغلبية الطيارين العسكريين والمدنيين تحديداً، لئلا يؤثر ذلك على مستقبلهم المهني.
لكن المرة الأولى التي اختلف فيها موقف مسؤول سياسي بارز من تلك الظاهرة، جاءت قبل سنوات من داخل المؤسسة التشريعية، حين طالب زعيم الأغلبية الأسبق بمجلس الشيوخ، هاري ريد، بضرورة أن تركّز كل من هيئات الاستخبارات والمؤسسة العسكرية على فحص تلك الظاهرة وتفسيرها. فكانت تصريحاته بمثابة شهادة لا يمكن اتهام صاحبها بالجنون أو بأي من الاتهامات الأخرى.
وقد عاد الموضوع للصدارة من جديد العام الماضي، حين تبين أن هناك إدارة بوزارة الدفاع الأمريكية قد أنشئت وظلت لأكثر من عقد تجري سراً أبحاثاً حول شهادات العسكريين الذين شاهدوا تلك الظواهر. عندئذ، تضمن القانون الذي يصدر سنوياً لتنظيم عمل أجهزة الاستخبارات بنداً يأمر تلك الأجهزة ومعها البنتاغون ببحث الموضوع وتقديم تقرير للكونغرس. وقد تشكلت فعلاً لجنة بوزارة الدفاع هي التي أصدرت التقرير الذي نشر منذ أسابيع، فكان أول تقرير رسمي علني منذ عقود.
ورغم أن جزءاً من التقرير يظل سرياً لن يطّلع عليه سوى أعضاء اللجان المعنية في الكونغرس، فإن ما يلفت الانتباه فيما نُشر أن التقرير بدا وكأن هدفه نفي تفسيرات بعينها لا تقديم غيرها. فقد نفى التقرير صراحة أن تكون تلك الظواهر راجعة لغزو من كائنات فضائية أو أن دولة معادية هي التي تملك تلك التكنولوجيا بالغة التقدم التي لا يفهمها الأمريكيون. لكن الطريف أن التقرير لم ينف تلك التفسيرات نفياً قاطعاً، إذ أكد ضمناً على أن الأبحاث التي أجريت «ليست نهاية المطاف» لأن الشهادات التي تم دراسة ما جاء بها لم تزد على 144 حالة، وهو عدد محدود لا يمكن من خلاله سبر غور الظاهرة. وكان لافتاً أيضاً أن التقرير اعترف للمرة الأولى أن تلك الظاهرة ليست نادرة الحدوث، وربما تمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي مما يستدعي بحثها بجدية.
والحقيقة أن التقرير لم يقدم إجابات بقدر ما طرح من الأسئلة. ومن تلك الأسئلة التي تتبادر لذهني كلما قرأت عن الظاهرة هو السبب في أن تلك الأجسام الطائرة تظهر في سماء الولايات المتحدة دون غيرها من دول العالم. لكن لعل أهم ما أسفر عنه دور الكونغرس ثم التقرير الذي صدر هو أنه أضفى الجدية على الظاهرة، وعلى شهادات من رأوها بعد أن ظلت تعامل بالاستخفاف والسخرية.