الشرق اليوم- تتصاعد في الصومال حالة احتقان واحتجاجات شعبية تطالب الحكومة بالكشف عن مصير جنود يتردد أنها أرسلتهم إلى الحرب في إثيوبيا المجاورة، بينما تنفي مقديشو، وتقول إنهم يتلقون تدريبا عسكريا في إريتريا.
ووفق تقرير سنوي لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في 9 يونيو الماضي، فإن الحكومة الصومالية أرسلت جنودا، في نوفمبر الماضي، لدعم الجيش الإثيوبي في حربه بإقليم تيغراي (شمال) ضد قوات “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” (الحزب المحلي الحاكم سابقا).
وأرسلت الحكومة الصومالية، في سبتمبر 2019، جنودا لم تكشف عن عددهم، لتلقي تدريب في إريتريا، ضمن مساعيها لإعادة هيكلة الجيش، الذي انهار بعد الإطاحة بالحكومة المركزية عام 1991، ما دفع بالبلد العربي إلى حرب أهلية.
وتدخل سياسيون ومرشحون في سباق الرئاسة المقبل على الخط للضغط على الحكومة لكشف مصير هؤلاء الجنود، متهمين إياها بارتكاب “جريمة ترقى للخيانة العظمى بحق الوطن والشعب”، فردت الحكومة بالتمسك بروايتها، والمطالبة بعدم تسييس الموضوع.
ملف “سري”
وقال النائب السابق لرئيس جهاز المخابرات الصومالية إسماعيل طاهر: إن “السرية المحاطة بملف تدريب الجنود الصوماليين في إريتريا قد تعزز المعلومات التي تحدثت عن مشاركة جنود صوماليين في حرب تيغراي شمالي إثيوبيا”.
وأضاف: أن “تدخل جهاز المخابرات في ملف تدريب الجيش دليل على سرية هذه الخطوة، بعيدا عن وزارة الدفاع المكلفة بتنفيذ الاتفاقيات العسكرية، بما فيها تدريب الجيش في الداخل والخارج، وهو ما قد يزيد مخاوف عائلات صومالية على مصير أبنائهم المجندين”.
وحول ما إذا كانت إريتريا تورطت بسرية في الزج بالجنود الصوماليين في تيغراي، قال طاهر: إنه “كلما كانت الاتفاقية العسكرية بين البلدين محاطة بالسرية وتفتقر للشفافية، كانت إريتريا تدير الملف حسب تخطيطها، وقد تستغل نقطة الضعف لدى حكومة مقديشو”.
ومنتصف يناير الماضي، نفت أديس أبابا انتشار قوات صومالية أو إريترية في تيغراي، قبل أن تُقر، تحت ضغط دولي، بوجود قوات إريترية دعمت الجيش الإثيوبي.
عزوف عن التجنيد
وأمام البرلمان، نفى رئيس أركان الجيش الصومالي أدوى يوسف راغي، في ديسمبر 2019، علمه بوجود قوات لبلاده في إريتريا للتدريب.
وهو رأي يتفق معه محمود يوسف، ضابط عسكري متقاعد، بقوله: إن “الأمر لا يتعلق فقط بشفافية العملية ومصير الجنود، لكن قد يؤدي أيضا إلى عزوف كامل لفئة الشباب عن الانضمام إلى الخدمة العسكرية، في حال تبين أن جنودا صوماليين قُتلوا في تيغراي”.
وتابع: “رغم افتقار التقرير الأممي إلى دلائل قطعية تثبت تلك التهم، إلا أنني لا أستبعد إمكانية أن تنقل إريتريا الجنود الصوماليين إلى خط المواجهة في حرب تيغراي”.
ومنذ انهيار الدولة المركزية في 1991، كان الانضمام إلى الخدمة العسكرية اختياريا، لكن انتشار البطالة، البالغة نسبتها نحو 75 بالمئة، وقلة فرص العمل، دفعت آلاف الشباب إلى الانخراط في الجيش للحصول على راتب شهري يراوح بين 200 و300 دولار، لتحسين ظروفهم المعيشية.
نفي رسمي
تعليقا على تقارير عن مشاركة قوات بلاده في حرب تيغراي، قال وزير الخارجية الصومالي محمد عبد الرزاق، في تصريح صحفي مؤخرا: “نؤكد وجود قوات صومالية في إريتريا للتدريب، لكن ما يتم تداوله في الإعلام من تقارير أممية غير صحيح، ولا يمكن حدوثه بالفعل”.
وتابع: أن الصومال، ومنذ الحكومات الانتقالية، يتعاون مع دول صديقة لتأهيل جيشه، إذ يتلقى تدريباته في دول مثل جيبوتي وأوغندا وإثيوبيا وبروندي ورواندا وكينيا والسودان وتركيا، وإريتريا.
وأردف أنه ليس غريبا أن تتلقى قوات صومالية تدريبات عسكرية في إريتريا، فالحكومة تعمل على تأهيل قواتها وتعزيز قدراتها لتسلم مهام قوة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال “أميصوم”، المفترض انسحابها من البلاد بحلول 2022.
ومنذ سنوات، يخوض الصومال حربا ضد “الشباب”، وهي حركة مسلحة تأسست مطلع 2004، وتتبع فكريا لتنظيم “القاعدة”.
وجاء الحديث عن تدريب جنود صوماليين في إريتريا بعد توقيع كل من الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، اتفاقية تعاون في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية، في أديس أبابا نهاية 2018.
توضيحات مطلوبة
وما بين التقرير الأممي والنفي الحكومي، تتزايد مطالب أهالي الجنود الصوماليين بالكشف عن مصير أبنائهم، لا سيما بعد تدخل سياسيين ومرشحين لسباق الرئاسة، المقرر في 10 أكتوبر المقبل.
وطالب الرئيس السابق حسن شيخ محمود (2012 ـ 2017)، المرشح المحتمل للانتخابات المقبلة، الحكومة بالكشف عن مصير الجنود الصوماليين في إريتريا استجابة لمطالب عائلاتهم، في ظل قلقها على مصير أبنائها.
واعتبر المرشح الرئاسي المحتمل، عبد الكريم حسين جوليد، الرئيس الأسبق لولاية غلمدغ (وسط)، أن الزج بجنود صوماليين في حرب تيغراي هو سوء تدبير، مطالبا بتوضيحات حول ملف تلك القوات.
دعاية انتخابية
ووفق طاهر أمين جيسو، عضو اللجنة الأمنية في البرلمان، فإن هؤلاء السياسيين “استغلوا ملف الجنود لأغراض سياسية، على أمل تعزيز حملاتهم الانتخابية”.
وأضاف جيسو: أن “إثارة موضوع تدريب قوات صومالية في إريتريا ليس أمرا جديدا، لكن في هذا التوقيت (الانتخابات) يستغله سياسيون لتحقيق مكاسب سياسية لكسب الرأي العام، قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية”.
وأردف: “من الممكن حدوث تأخير عن موعد انتهاء التدريب للجنود الموجودين في إريتريا بسبب وباء كورونا، وربما يثير ذلك التأخير مخاوف الشعب، لكننا نؤكد أن تلك القوات ستعود للبلاد في حال انتهاء مهمة التدريب”.
تحقيق حكومي
وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، تحت ضغط أسر الجنود، شكل رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، لجنة حكومية لتقصي الحقائق حول مشاركة قوات صومالية في حرب تيغراي.
لكن النائب السابق لرئيس جهاز المخابرات، قلّل من مصداقية هذه اللجنة، المكونة من مسؤولين حكوميين، في إجراء تحقيق شفاف، فـ”الحكومة هي المتهمة بهذا الملف ولا يمكن إجراء التحقيق من طرفها، ما لم يكن هناك طرف ثالث لكشف الحقائق”.
وتابع: “إذا كانت الحكومة جادة في هذا الموضوع، فينبغي لها تشكيل لجنة مستقلة من المجتمع المدني وخبراء وسياسيين مستقلين”.
وبالفعل، طالبت لجنة اتحاد المرشحين المحتملين للانتخابات، رئيس الوزراء بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة تحظى بثقة الشعب الصومالي، لكن من دون جدوى.
المصدر: الأناضول