بقلم: منصور الجنادي – المصري اليوم
الشرق اليوم- “السيكو ـ تكنولوجي”، أو التقنية النفسية، هي التأثير المتبادل بين النفس البشرية والتكنولوجيا، أي إما استخدام التكنولوجيا لفهم النفس، أو استخدام فهم النفس (علوم النفس والعقل) لتطوير التكنولوجيا، أو كليهما.
الفيس بوك مثلا هو استخدام لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والإنترنت لفهم نفوس البشر وتشكيل عقولهم عن طريق مدهم بالإعلانات المؤثرة على ميولهم الشخصية، بهدف تعظيم أرباح الشركات المُعلنة والوسيطة.
فى المقابل، تُستخدم نتائج علم النفس العصبي مثلًا في تصميم شرائح إلكترونية تُثبَّت بالمخ لتُمَكِّن الفرد من التواصل مع الآخرين بالأفكار فقط، وبدون التحدث معهم، كما حدث مع العالم ستيفن هوكنج المصاب بالشلل. في كلتا الحالتين إذًا نتحدث عن «السيكو- تكنولوجي» أو التقنية النفسية، التي لن يبقى الإنسان معها كما هو، ولن يفكر كما أفكر أنا وأنت، وإنما ستكون له أفكار ومشاعر مختلفة عن تلك التي نعرفها اليوم.
مثال ذلك السويدية جريتا تونبرج التي عانت من الاكتئاب وفقدان الشهية للطعام عندما كانت فى الثانية عشرة من العمر. ولكن لأنها من جيل المستقبل، إن صح التعبير، فقد عالجت نفسها بنفسها، وبأسلوب جديد تمامًا على تفكيرنا النمطي. بدأت الطفلة الشابة بإطفاء الأنوار المضيئة دون داعٍ بمنزلها توفيرًا للطاقة، بدلًا من تناول الأدوية التي وصفها لها الطبيب النفسي. ما علاقة هذا بذاك؟ قررت الطفلة الانشغال بحماية البيئة بدلًا من التفكير في أمراضها ورثاء حالها. أقنعت والديها بالعمل من أجل الحفاظ على البيئة، واستخدمت تكنولوجيا السوشيال ميديا في الاتصال بشباب العالم، وتحفيزهم على محاربة جهل الأجيال السابقة بحق الطبيعة على الإنسان، وتوعيتهم بالنتائج الكارثية لإسرافهم في الاستهلاك، ووهمهم بإمكان نمو اقتصادي بلا حدود.
لم يكن من الصعب على جريتا تونبرج أن تجد الملايين من الأتباع، فالكثيرون من شباب اليوم لديه وعى غير الوعي، وعقول غير العقول، وهوية غير الهوية. تشعَّب نشاط جريتا وتضاعف أتباعها، بل طلب رؤساء الدول مقابلتها، وبفضل قوة تأثيرها على الرأي العام العالمي، نجح كثير من الأحزاب الخضراء في الفوز بالانتخابات في العديد من الدول.
إن أردت التنبؤ بالمستقبل تعمق في فهم الحاضر. جريتا تونبرج مستقبل يعيش بيننا اليوم، وفرصة لفهم الغد. جريتا ترفض السفر بالطائرات لأنها تلوث الهواء. ولا تأكل اللحوم لأن الغازات التي تنبعث من المزارع الحيوانية يفوق ضررها بالغلاف الجوي تأثير عوادم السيارات والطائرات والسفن مجتمعة. هذا علاوة على أن ما يُستخدم في علف الحيوانات من حبوب يمكن أن ينقذ حياة أربعة ملايين طفل، يموتون من الجوع سنويًا.
سلوك جريتا تونبرج وجيلها تغيير في العقلية، وتحول جذري فى الهوية. لم تعد هويتها سويدية فقط، بل علمية، عولمية، بيئية، إنسانية.
ذلك التغيير الجذري في الهوية، والذي سنرى المزيد منه في المستقبل القريب، لا يأتي فقط طواعية كما حدث مع جريتا تونبرج، ولكن قسرًا أيضًا، سواء رضينا أم أبينا. طريق تغيير الهوية ليس دائمًا مفروشًا بالورود. احترس، إنهم يسرقون عقلك!
«النفس المسروقة» ستكون سمة المستقبل أيضًا، ومصدرًا مهمًا لتغيير الهوية. فكما نعلم جميعًا، بمقدار استخدامنا للكمبيوتر والموبايل ستكون أسرارنا وأفكارنا وخلجات أنفسنا وكنوز وجداننا في السُّحُب clouds، التي ليست إلا حواسيب ضخمة لتخزين المعلومات وتعبيرات الوجوه وآهات وأفراح بلايين البشر، كل شخص على حدة، أو في «مجتمعات» clusters يُعاد تشكيلها بما يخدم أغراض مُلاك هذه التكنولوجيات ومن يتعاونون معهم من الشركات متعددة الجنسية، وغيرهم من أصحاب السطوة.
النتيجة هي ربما ذلك الإنسان الصيني الذي قد نصير جميعنا مثله، إنسان تعرف «جهة ما» عنه كل شيء، وتوجهه كعرائس المسرح، دون السماح له، لا بحرية رأى، ولا بالتفلسف في أمور الحياة أو الدلع في حب هذا وكره ذاك. ومع ذلك فهو يذهب إلى الحدائق كل صباح ويمارس رياضته التي تكاد تكون ديانته (التكامل مع الكون)، ويبدو سعيدًا بما أعطاه القدر ومنحته الحوكمة. نموذج بعيد كل البعد عما يصبو إليه الغرب، وبعض من يبحثون عن ذواتهم بين الماضي والمستقبل.
على أي حال، التطورات السيكو تكنولوجية لم ولن تُبقى شيئًا على حاله. الأمر خطير ومستعجل. ولكن هل اتضح ذلك لنا في مصر بما فيه الكفاية؟
الحديث بمصر الآن مازال عن «ترسيخ الهوية»، وليس صناعتها.