الرئيسية / مقالات رأي / لعنة “بريكست”

لعنة “بريكست”

بقلم: أحمد مصطفى – الخليج الإماراتية

الشرق اليوم– أعلنت شركة بريتيش تليكوم (بي تي) هذا الأسبوع أنها ستعيد رسوم التجوال على استخدام هواتف الموبايل على شبكتها (إي إي) في أوروبا، ويعني ذلك أن البريطانيين سيتحملون تكاليف أكثر فيما بقية دول أوروبا ألغت منذ زمن رسوم التجوال بحيث أن الفرنسي مثلاً يستخدم هاتفه في اليونان دون أي رسوم إضافية.

كانت شركات الموبايل البريطانية أعلنت من قبل أنها لن تزيد الرسوم بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). لكن ها هي «بي تي» تفعلها، وكذلك شبكة «أو تو» التي ستعيد الرسوم العام القادم.

مع عودة الانتعاش الاقتصادي ما بعد أزمة وباء كورونا، تعاني الأعمال والشركات البريطانية من عدم توفر العمالة اللازمة لاستعادة نشاطها بقوة. ذلك ببساطة لأن أغلب تلك العمالة كان يأتي من دول أوروبا الوسطى والشرقية. لكن مع بريكست غيرت بريطانيا قوانين الهجرة والإقامة والعمل ما جعل من الصعب دخول من يعملون في المطاعم والمقاهي وحتى الممرضين وموظفي الرعاية الصحية فضلاً عن العمالة الموسمية في القطاع الزراعي البريطاني طبعاً.

 تلك مجرد أمثلة على ما بدأ البريطانيون يلمسونه من نتائج بريكست، ولا تنفع معه شعارات حكومة حزب المحافظين حول «الاستقلال» وأن بريطانيا «تملك قرارها» وما شابه. حتى الاتفاقات التجارية التي وعد رئيس الوزراء بوريس جونسون أنها ستفيد بريطانيا أكثر من وجودها في الاتحاد الأوروبي تبدو لصالح الشركاء أكثر منها لصالح البريطانيين كما حدث في الاتفاق الأخير مع أستراليا.

الحقيقة أن كل ذلك كان متوقعاً، ولطالما أشار إليه أنصار البقاء في أوروبا (وهم نصف البريطانيين تقريباً حسب استفتاء بريكست في 2016). لكن أنصار بريكست نجحوا في الحصول على تصويت أكثر من النصف بفارق ضئيل جداً، وإن عبر ترويج الكذب والتضليل.

 إذا كانت التبعات الاقتصادية لبريكست محل جدل، بمعنى الفوائد مقابل الخسائر، وتباين احتمالات الاستفادة أكثر من الضرر فإن لعنة بريكست الأهم والأخطر تتعلق بالسياسة. بداية تاثير بريكست على «حالة اتحاد» المملكة المتحدة (بريطانيا العظمى) التي تتألف من أربع مقاطعات تتمتع بشكل من أشكال الإدارة الذاتية ضمن الحكومة المركزية في لندن. فالأسكوتلنديون مثلاً صوتوا بأغلبية للبقاء في أوروبا، وسبق أن أجروا استفتاء عام 2014 على الخروج من الاتحاد البريطاني جاءت نتيجته متقاربة جداً مع فارق ضئيل ضد الاستقلال. يسعى الأسكوتلنديون الآن لإجراء استفتاء جديد للاستقلال عن بريطانيا. ثم هناك مشكلة «أيرلندا الشمالية»، التي تسعى للانفصال عن بريطانيا والانضمام إلى جمهورية أيرلندا. وشهدت المقاطعة صراعاً مسلحاً لعقود انتهى باتفاقية تحكم علاقة الإقليم ببريطانيا).

 الآن، تتفسخ تلك الرابطة التي جمعت أنصار بريكست من المحافظين واليمين عموماً. فدينامو الدعاية والترويج للبريكست منذ ما قبل 2016، السيد دومينيك كمنجز خرج من مقر الحكومة بطريقة تنم عن صراع قوي بين أجنحة الحكم. وليس فقط سبب خروجه هو خلافه مع زوجة جونسون (التي كانت خطيبته وقتها) كاري سيموندز. وزادت العواصف ضد وزير الصحة مات هانكوك، وهو أحد صقور بريكست، مع توالي الكشف عن ممارساته الخاطئة إلى أن استقال من الحكومة. حتى بوريس جونسون نفسه، يواجه تياراً داخل الحكومة يرى أن وزير خارجيته دومينيك راب ربما كان أقدر منه على الحكم. يبقى صقر بريكست الذي نافس جونسون بقوة على رئاسة الحزب والسلطة بعد استقالة تيريزا ماي، وزير شؤون مجلس الوزراء مايكل غوف، الصوت الحاسم في تفكك الحكومة أو بقائها.

هذا التفسخ السياسي ربما له أسبابه المحلية الكامنة في الحزب الحاكم والسياسة البريطانية عموماً بالإضافة إلى ضعف المعارضة الممثلة في حزب العمال المتراجع ما يجعل تلك العوامل تبرز بقوة لعدم وجود خطر منافسة سياسية حقيقي. إنما لا شك أن بريكست أيضاً لعب دوراً مهماً في إشعال تلك النيران التي كانت تحت رماد توحد المحافظين واليمين وراء هدف الخروج من أوروبا. ومن الواضح أن تحالف أنصار بريكست كان تجمعاً للأضداد على «اتفاق ضرورة» ليعودوا إلى صراعاتهم بعد إنجاز الهدف: الخروج من أوروبا. ولا شك أيضاً أن كلاً من هؤلاء الأقطاب يستعد لتحميل الآخر تبعة كل النتائج السلبية لبريكست والتي تؤثر في حياة البريطانيين من عودة أسعار التجوال في أوروبا إلى عدم وجود عمال لجمع الفراولة من الحقول البريطانية.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …