بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- نتائج الانتخابات الإقليمية الفرنسية التي أسفرت عن استحواذ أحزاب يمين الوسط واليسار على أغلب المناطق، لا تعني أن تغييراً كبيراً حدث في المشهد السياسي الفرنسي، ولكنها مؤشر واضح على توجهات الرأي العام قبل أقل من عام من خوض السباق الرئاسي. والهزيمة القاسية التي تلقاها اليمين المتطرف “التجمع الوطني” بزعامة مارين لوبان، والتعثر الكبير لحركة “إلى الأمام” بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، ستكون ارتداداتهما ملموسة، وقد يمنحان فرصة ذهبية للأحزاب التقليدية حتى تستعيد بعضاً من جاذبيتها بعد سنوات من البقاء على الهامش.
منذ ما قبل الانتخابات كانت كل المؤشرات تؤكد أن اليمين المتطرف لم تعد له تلك السطوة التي اكتسبها عندما كانت النزعات القومية الغربية في أوجها بانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، والشعبوية الأمريكية تمكنت من البيت الأبيض مع دونالد ترامب. وكان متوقعاً أن يعود كما كان أقلية مزعجة تفرض على الديمقرطيات الغربية التعامل معها، وفي فرنسا ظل هذا التيار “فزاعة” تستخدمها الأحزاب الأخرى في المواسم الانتخابية لكسب الأصوات. والأمر نفسه سيتكرر في الاقتراع الرئاسي الفرنسي الربيع المقبل؛ إذ تشير أغلب التوقعات إلى أن المواجهة الحاسمة ستكون بين لوبان وماكرون الذي يفترض أن يكون في طريق مفتوحة إلى عهدة ثانية، ما دامت قوى اليمين واليسار تفتقد إلى زعيم واضح، وهناك عديدون يرغبون في الترشح إلى الرئاسة. أما إذا تم التوافق على شخصية محددة، خصوصاً من اليمين، فقد تختلف المعادلات ويصبح الوضع أمام تغيير كبير.
ماكرون الذي كان فوزه مفاجأة عام 2017 بعد أن أسس حركة “إلى الأمام” ذات الميول إلى اليسار، أثبتت الانتخابات الإقليمية الأخيرة أنه لا يمتلك وحزبه قواعد شعبية في أغلبية المناطق، مما يجعل من مهمته صعبة وشاقة. وفي فرنسا، هناك من يقول إن المشهد السياسي يفتقد قيادات تمتلك كاريزما وقوة وقدرة على الاستقطاب، ويبدو أن ماكرون قد فشل في اكتساب هذه الصفات؛ بسبب الإخفاقات التي واكبت عهدته الرئاسية، ولكنه بالمقابل استطاع أن يكون صلباً وقوياً في الانتصار للاتحاد الأوروبي والانتقاد الشديد للإدارة الأمريكية السابقة في قضايا المناخ والتجارة والعلاقات بين ضفتي الأطلسي، وربما هذا ما يكسبه بعض الثقة، على الرغم من أن الناخب الفرنسي عندما يذهب إلى صندوق الاقتراع لا يصوت بناء على ما تحقق، وإنما للوعود والتعهدات التي يطلقها المرشحون.
من الظواهر السلبية، التي رافقت الانتخابات الإقليمية الفرنسية، العزوف التاريخي على الاقتراع الذي لم يتجاوز 36 في المئة، وهي نسبة غير مسبوقة على الإطلاق منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، وقد تعود إلى التدابير الصحية بسبب فيروس “كورونا”، وربما لملل الرأي العام من القضايا المطروحة، ولم تجنِ دعوة جميع الأحزاب إلى التعبئة فائدة. وفي المطلق، لا يمكن لهذه النتائج أن تعكس حقيقة الواقع، فالانتخابات الإقليمية تختلف في البنية والأهداف عن الرئاسية، لكنها محطة ستفرض على أغلب السياسيين الفرنسيين التوقف عندها لتدبر نبض الواقع السياسي وتوجهاته.