بقلم: أحمد الحوسني – الاتحاد الإماراتية
الشرق اليوم- في التعامل السياسي، كما في التعامل التجاري مع الصفقات، الفرصة هي «الوقت»، ما لم تقتنصها ستذهب! يماثل ذلك جريان مياه النهر الذي لا تستطيع النزول فيه مرتين، لتغير ذرات مياهه بالجريان. وتمثلت آخر الفرص في المبادرة السعودية، لكن الحوثيين رفضوها في تعنت وغباء.
وقد لاقت المبادرة السعودية ترحيب الدول العربية، كما نالت تأييداً دولياً ودعماً من أميركا والأمم المتحدة. وتنضاف المبادرة السعودية إلى عدة مبادرات سابقة تم عرضها على الحوثيين. وربما ضاعت من التحالف العربي فرصة عسكرية كانت متاحة، قبل اتفاق السويد، بالاستيلاء على ميناء الحُديدة عندما كانت قوات التحالف تقف على ثلاثة كيلومترات من بوابة الميناء، لكنها تراجعت بطلب من الأطراف الدولية.
وإذا استرجعنا المشهد قبل ذلك، فسنجد أن الرئيس علي عبدالله صالح كان متحالفاً مع الحوثيين، وقد اتفق الطرفان على تقاسم للأدوار، بحيث يتولى الحوثيون «السلطة الدينية» وصالح «السلطة السياسية»، وعندها استأمن الحوثيين على قوات الجيش ومعداته الثقيلة في صعدة بعيداً عن قوات التحالف العربي.
وبعد أن حاول استرجاعها وجد أن عقيدة جنوده قد تبدّلت وأصبحوا موالين دينياً وسياسياً لعبد الملك الحوثي. وبعد أن تقوّت الميليشيات عسكرياً، استغنت عن المظلة السياسية التي كان يشكلها صالح كرجل دولة، فجاءت الأوامر من طهران بالتخلص منه، حتى تصبح الميليشيات طليقةً دون أي رقيب.. وهناك طرف دولي تواطأ مع هذا النهج.
وقد حذّر وزير الإعلام اليمني معمر الأرياني من أن التراخي الدولي في التعامل مع ميليشيات الحوثي الإرهابية، وتصعيدها العسكري الواسع في مأرب، وجرائمها وانتهاكاتها اليومية بحق المدنيين، واعتداءاتها على دول الجوار، وتهديدَها خطوطَ الملاحة.. كل ذلك يُظهر اعتقاداً خاطئاً بإمكانية دفعها للتهدئة وجلب السلام.
وقد اعتبرت ميليشيات الحوثي قرار الإدارة الأميركية برفع اسمها من قائمة المنظمات إرهابية، ضوءاً أخضر لمزيد من الإرهاب، في المناطق المحررة وبحق الجوار الإقليمي. ولفت محللون إلى أن هذه المقاربة تؤكد جهل المجتمع الدولي بحقيقة وتاريخ ميليشيات الحوثي وارتباطها العضوي بالحرس الثوري الإيراني، وارتهانها للأجندة الإيرانية.. مع التأكيد على أن الطريق الوحيد لإجبار هذه الميليشيات على إنهاء الحرب والرضوخ للسلام يمر عبر تكثيف الضغوط السياسية والعسكرية، خاصة أن الأحداث أثبتت بأن نهجها قائم على القتل والدمار، وأنها غير مؤهلة لأداء أي دور في بناء السلام، وأنها لا تفهم إلا لغة القوة، ولا تكترث بالمعاناة الإنسانية لليمنيين.
وإلى ذلك، جددت الولايات المتحدة التأكيد على اعترافها بأن الحكومة اليمنية هي الحكومة الشرعية الوحيدة المعترف بها دولياً في اليمن. من جهته، حمّل خبراء غربيون إدارة الرئيس جو بايدن، جانباً لا يستهان به من المسؤولية عن إمعان ميليشيا الحوثي في تصعيدها العسكري الراهن، وذلك في وقت يواصل فيه المبعوث الأميركي لليمن «تيموثي ليندركينج» جولاته في المنطقة، لبحث سبل وضع حد للاقتتال، رغم قيام واشنطن بحذف جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب!
وبذلك يبدو الأمر كما لو أن إدارة الرئيس بايدن ليست على علم بأن الحوثيين يستغلون المعاناة الإنسانية التي تجاوبت معها واشنطن! وفي سياق أزمة الفرص، نسأل حكومة الشرعية: بماذا تستطيع أن تبادر، على المستوى العسكري، مقابل التحركات التي يقوم بها الحوثيون الذين يراهنون على سقوط مأرب؟ لم نسمع عن مسلحي «الإصلاح» (الإخوان المسلمين) الذين كانوا «أسوداً» في عدن، بل نراهم يتوارون عن مواجهة الحوثيين.. فهل هناك إرهاصات متوقعة من الشرعية لإحداث تحول مفصلي يسجل لها إنجازاً تاريخياً؟ أياً يكن، فعليها أن تتمسك ببوابة محافظة مأرِب، فليس بعدها مهرَبْ!