بقلم: عبد المنعم علي عيسى – تشرين السورية
الشرق اليوم- أخيراً حسم الرئيس الأمريكي جو بايدن أمره الذي تردد بشأنه سلفاه باراك أوباما ودونالد ترامب، فقرر في أيار الماضي سحب قواته من أفغانستان على أن يكتمل ذلك الفعل بحلول الذكرى العشرين لأحداث أيلول بنيويورك التي جاء احتلال أفغانستان، وكذلك العراق، في سياقاتها.
جاءت تصريحات بايدن بعد لقائه نظيره الأفغاني أشرف غني مؤخراً لتوحي بأن واشنطن قررت سحب يدها تماماً من المسألة الأفغانية التي تبدو شديدة التعقيد بفعل عوامل عدة، فهو، أي بايدن، كان قد وصف الحرب الأفغانية في أعقاب اللقاء سابق الذكر بـ”الحرب التي لا يمكن الفوز بها”، وهذا اعتراف موارب بخطأ القرار الذي اتخذه جورج بوش الابن تشرين الأول 2003 الذي قاد إلى شن الحرب على أفغانستان واحتلالها، فـ”مشروعية” تلك الحرب، من وجهة النظر الأمريكية، كانت تقوم على إسقاط حكم حركة “طالبان” في كابول، وصولاً إلى ضمان عدم عودة نظام يخضع لسيطرة من ساند، أو هو قدم الملجأ الآمن لمنفذي هجمات 11 أيلول وفق وجهة النظر سابقة الذكر .
في ضوء هذا التطور الحاسم لناحية حمولاته على التي سيخلفها في منطقة مضطربة أصلاً، وهو بالتأكيد ستكون له تداعياته على كل مناطق الجوار، ولربما الأبعد منها أيضاً، يمكن القول إن حركة طالبان ماضية في محاولة إعادة الوضع إلى ما كان عليه العام 1996 عندما استطاعت بسط سيطرتها على معظم الجغرافيا الأفغانية، وهي ليست بوارد القبول بمفاوضات، كان قد اقترحها عليها الرئيس الأفغاني قبل أشهر عندما لاحت بوادر الانسحاب الأمريكي، تقوم على قاعدة تشكيل حكومة وحدة وطنية تقود البلاد في ظرف شديد الحساسية، وعليه فإن أفغانستان ستكون يوم 12 أيلول المقبل فصاعداً أمام أحد مسارين لا ثالث لهما، أولهما أن تستطيع حكومة الرئيس أشرف غني، ومن وراءها الجيش الأفغاني، الصمود بوجه هجمات طالبان لفترة طويلة، وتبدي تماسكاً يجبر طالبان على العودة إلى طاولة المفاوضات، وهذا احتمال يبدو ضعيفاً ولا ترجحه حتى مراكز الدراسات الأمريكية المختصة بالشأن الأفغاني التي تقول توقعاتها أن مدة ستة أشهر هي المدة المفترضة لصمود الحكومة الأفغانية الراهنة ما بعد الانسحاب الأمريكي قبيل أن تستطيع حركة طالبان إسقاطها، وثانيهما، وهذا هو المرجح، أن تشهد السلطة الراهنة في كابول انهياراً سريعاً على وقع ضربات طالبان.
واشنطن تدرك المآلات التي سيفضي إليها قرارها بالانسحاب من أفغانستان، وتلك المآلات ستفضي، وفق أكثر الترجيحات، إلى إبقاء أفغانستان تترنح بين التوتر والعنف.
وترى واشنطن أيضاً أن سحب قواتها من أفغانستان يتسق مع قناعاتها الراهنة بوجوب عدم المغامرة مجدداً بحروب خاسرة لا نهاية لها، ناهيك عن الخسائر التي منيت بها وتالياً لم تحقق أياً من أهدافها المزعومة من وراء حربها العبثية والتي شكلت أفغانستان إحدى ساحاتها، لكنها تتوقع أيضاً أن من شأن سحب قواتها إثارة المتاعب لرزمة من الخصوم دفعة واحدة بدءاً من الصين وروسيا وصولاً إلى إيران, ولكن يبقى هذا مجرد توقع قد يخطئ وقد يصيب.