بقلم: أحمد نظيف – النهار العربي
الشرق اليوم– لا تستقر علاقات ومواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على حال. يتقاذف الرجل القادم من ركام الإسلاموية النفعية، نار الحلفاء والأعداء كالوسائد مخلفاً اضطرابات وكوارث في الاقتصاد المحلي تتجلى بوضوح في أسعار صرف الليرة التركية التي تتأرجح منذ سنتين من دون توقف على وقع تبدلات مزاج زعيم حزب “العدالة والتنمية”.
قبل أسبوعين من الاجتماع مع نظيره الأميركي جو بايدن وسط توترات ثنائية، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الولايات المتحدة تخاطر “بفقدان صديق عزيز” من خلال محاصرة تركيا. تدهورت العلاقات بين الحليفين في “الناتو”، وعلى نطاق أوسع بين تركيا والغرب، في شكل حاد في السنوات الأخيرة، بخاصة منذ شراء تركيا صواريخ “إس- 400” الروسية في عام 2017. الرئيس التركي ومع ذلك، يبدو أنه الآن يريد تخفيف التوترات مع حلفائه التاريخيين في “الناتو”، الذين التقى بهم في 14 حزيران (يونيو) الجاري خلال قمة التحالف الأولى للرئيس بايدن.
يحتاج الرئيس أردوغان إلى تدفق رأس المال الأجنبي لإنقاذ الاقتصاد التركي، بخاصة أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية تلوح في الأفق بحلول سنة 2023. هذه الحاجة تبدو وجودية بالنظر إلى مستوى المدخرات في تركيا. لذلك يمكننا أن نتوقع أن أردوغان سيقدم تنازلات في علاقاته مع الولايات المتحدة، من بين أمور أخرى، مع العلم أن تدفقات رأس المال لا يمكن أن تأتي إلا من الدول الغربية، والتي لن تستثمر في تركيا كثيراً لجهة فقدان الثقة في استدامة مواقف أردوغان على حال واحد. فالإدارة التركية لا تزال سيئة للغاية في الجوانب الحقوقية وسياسات أردوغان لا يمكن التنبؤ بها. وفي اتجاه محاولة تلطيف العلاقات مع الغرب، أعلنت وزارة الخارجية أن تركيا ستحاول شراء صواريخ فرنسية إيطالية أو أميركية بدلاً من صواريخ “إس-400”. كما يحاول أردوغان حشد أوراق أخرى في أجندة التفاوض مع الأميركان، فعلى الرغم من المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها، يبدو أن الرئيس أردوغان يأمل في أن يكون اقتراحه بإسناد أمن مطار كابول إلى الجيش التركي (الاقتراح الذي قدم عقب انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان) بمثابة ورقة مساومة في المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن نزاعات أخرى.
في الجانب الآخر من المعسكر الغربي، يبدو الاتحاد الأوروبي شديد الحذر في خطوات تطبيع العلاقات مع أنقرة بعد عام عاصف شهدت فيه العلاقات بين الجانبين أسوأ فتراتها خلال الخمسة عقود الأخيرة، وكادت الأمور أن تنطلق نحو النزاع المسلح شرق المتوسط. في القمة الأوروبية الأخيرة التي عقدت منذ أسبوع أشار المجلس الأوروبي إلى أن من المصلحة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي أن تكون هناك بيئة مستقرة وآمنة في شرق البحر الأبيض المتوسط وتطوير علاقة تعاونية مع تركيا. كما رحب القادة الأوروبيون بخفض التصعيد في شرق البحر المتوسط، وشددوا على وجوب استمراره. وأشار المجلس إلى أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لمواصلة الحوار مع تركيا بطريقة تدريجية ومتناسبة. كما أحاط قادة الاتحاد الأوروبي علماً ببدء العمل على المستوى الفني من أجل تفويض لتحديث الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وأشاروا إلى الحاجة إلى معالجة الصعوبات الحالية في تنفيذ الاتحاد الجمركي. كما أحاطوا علماً بالعمل التحضيري لعقد حوارات رفيعة المستوى مع تركيا حول قضايا مثل الهجرة والصحة العامة والمناخ ومكافحة الإرهاب والقضايا الإقليمية. لكن المجلس الأوروبي لم يفوت الفرصة لتوجيه انتقادات، أصبحت تقليدية لإدارة أردوغان المحلية، مشيراً إلى أن سيادة القانون والحقوق الأساسية في تركيا لا تزال مصدر قلق كبير. وقال: “إن استهداف الأحزاب السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان ووسائل الإعلام يمثل انتكاسة كبيرة لحقوق الإنسان ويتعارض مع التزامات تركيا احترام الديموقراطية وسيادة القانون وحقوق المرأة”.
لقد تدهورت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في شكل تدريجي على مدى السنوات الماضية، وكان هذا في الغالب بسبب الإجراءات التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، والتي تمثل تحدياً مباشراً لحقوق قبرص في مناطقها البحرية وفقاً للسردية الأوروبية، مقروناً بأعمال التهديد التركية ذات الصلة والخطاب المسيء؛ والتدخلات التركية الحازمة في معظم النزاعات الإقليمية المحيطة، بطرق غالباً ما كانت تتعارض مع مصالح الاتحاد الأوروبي الأوسع. علاوة على ذلك، كان للتدهور المتزايد للوضع المحلي في تركيا، لا سيما في مجال الحقوق الأساسية والحوكمة الاقتصادية، آثارا سلبية واضحة على علاقات تركيا مع الدول الأعضاء في الاتحاد وعلى جدول الأعمال الثنائي بين الطرفين.
لكن منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أظهرت تركيا موقفاً أكثر هدوءاً وبناءً بشأن مختلف القضايا، بما في ذلك العلاقات الثنائية مع العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. هذه خطوات إيجابية ومرحب بها إلى الأمام. لقد رفعت جائحة كوفيد-19 من زيادة المنافع المتبادلة للعلاقة التعاونية. ومع ذلك، لا تزال عملية خفض التصعيد هشة. والطرفان بحاجة إلى مزيد من الوقت للحكم على ما إذا كانت مستدامة وذات صدقية وتقدم نتائج دائمة، بخاصة في ظل الوضع المحلي المتدهور في تركيا.
من الواضح أن أردوغان في الشهور الأخيرة، قد ابتعد من المجتمع الأوروبي الأطلسي ليكون أقرب إلى روسيا. وبلغت ذروة هذه العلاقة عندما قرر الاقتراب من موسكو بهدف الحصول على صواريخ مضادة للطائرات لمواجهة تهديد لم يتم تحديده في شكل واضح، وذلك على الرغم من تحذيرات الناتو والولايات المتحدة التي أكدت عدم توافق هذه الصواريخ. مع نظام الدفاع الجوي المعمول به بين الدول الأعضاء في الحلف. في الوقت نفسه، تدهورت العلاقات مع اليونان وفرنسا بسرعة في أعقاب السياسة التي انتهجها أردوغان في شرق البحر المتوسط، وهي سياسة ينظر إليها على أنها توسعية من قبل العديد من الدول الغربية، خصوصاً الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، يبدو أن أردوغان أدرك مؤخراً أن مصالح تركيا وروسيا لا تتوافق، سواء في سوريا أو ليبيا أو القوقاز أو أي مكان آخر. يبدو أنه يعتبر أن مستقبله السياسي يعتمد على تحول في السياسة الخارجية… لذلك فقد وضع نصب عينيه الغرب. كان هذا التغيير في المسار واضحاً خلال قمة الناتو. لم تحاول تركيا منع تبني مفردات قاسية واستفزازية إلى حد ما تجاه روسيا في البيان الختامي، كما كان الحال قبل أسابيع قليلة في ما يتعلق ببيلاروسيا – وفي شكل غير مباشر لروسيا – بعد اختطاف الطائرة التي تقلّ المعارض البيلاروسي بروتاسيفيتش ورفيقه.