الرئيسية / مقالات رأي / هل تحلَ مشاورات الرّئيس عبد المجيد تبون مع “أهل بيته” الأزمة الجزائريّة؟

هل تحلَ مشاورات الرّئيس عبد المجيد تبون مع “أهل بيته” الأزمة الجزائريّة؟

بقلم: أزراج عمر – النهار العربي

الشرق اليوم- شرع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون في إجراء سلسلة من اللقاءات مع عدد من الأحزاب، منها حزب “حّركة مجتمع السلم” الإسلامي وحزبا الموالاة “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديموقراطي”، ومع المجموعة المحسوبة عليه وتمثل الأحرار الفائزين في الانتخابات التشريعية بـ78مقعداً، من أجل التشاور وتهيئة الظروف لعقد اجتماع البرلمان الجديد لانتخاب رئيسه ونوابه ورؤساء اللجان، ومن ثم تعيين الوزير الأول وأعضاء الحكومة الجديدة التي يفترض أن يصادق عليها هذا البرلمان، كما ينص على ذلك الدستور الجزائري.

وتفيد قراءة أبرز التصريحات التي أدلى بها رؤساء هذه الأحزاب ومجموعة الفائزين الأحرار بعد المشاورات مع الرئيس تبون بأنها راضية بما سيقرره رئيس الدولة بخصوص اختيار الوزير الأول وأعضاء حكومته، ويعني هذا تسليم هذه الأحزاب ومجموعة الأحرار بانعدام خيار تشكيل تحالف برلماني خارج إطار رئيس الدولة.

وفي هذا الخصوص، يرى مراقبون سياسيون جزائريون للمشهد السياسي الجزائري  لفترة ما بعد الانتخابات البرلمانيةـ أن الجوّ صار خالياً الآن لتكتل الفائزين الأحرار وأحزاب الموالاة المذكورة آنفاً لتشكيل الحكومة التي يريدها النظام الجزائري، بحجة أن عدد المقاعد التي حصل عليها هذا التكتل يمنح الرئيس تبون الأغلبية المطلقة، ويضعه بالتالي في موقع مريح، وبموجبه يعين من يشاء من المسؤولين الكبار، سواء في جهاز الحكومة التنفيذية، أم في المناصب الحساسة في السلك الدبلوماسي، أم في المجالس العليا التابعة أصلاً لرئاسة الجمهورية مثل المجلس الإسلامي الأعلى، والمجمع الجزائري للغة العربية، والمجلس الأعلى للغة العربية، والمحافظة السامية للأمازيغية، وكذلك على مستوى المؤسسات المركزية الكبرى مثل البنك الوطني الجزائري، والمحافظات (الولايات) التي يعتبر الولاة فيها بمثابة رؤساء جمهوريات مصغرة  ،والمديريات التي تتحكم في عصب الاقتصاد الوطني مثل مديرية الجمارك، والخطوط الجوية الجزائرية، وشركة سوناطراك النفطية وهلم جرّا.

 ولكن هناك من يرى أن هذه الأغلبية التي تنوي تشكيل الحكومة وتعيين الوزير الأول هي شكلية بسبب انخفاض نسبة المشاركة في التصويت، فضلاً عن رفض الحراك الشعبي وأحزاب المعارضة المشاركة بأي شكل من الأشكال في الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 12 حزيران (يونيو ) الماضي.

 وفي هذا الصدد، تعتقد شخصيات تعتبر نفسها معارضة وأخرى محايدة، أن تقسيم  المشهد الراهن إلى أغلبية رئاسية أو إلى أغلبية برلمانية ليس سوى فرضية تفتقد  السند المادي في الواقع السياسي الجزائري. ويرافع هؤلاء بالقول بأن ما يسمى  بمصطلح الأغلبية البرلمانية غير مطابق للحقيقة، بحجة أن نسبة 13 في المئة من الناخبين الجزائريين لا تمثل الشعب الجزائري والوعاء الانتخابي المقدر بأكثر من 24 مليون مواطن ومواطنة، وفي نظر هؤلاء المعارضين والمحايدين على حدّ سواء، فإن  مصطلح الأغلبية الرئاسية المتداول راهناً ليس هناك ما يبرره في الواقع، لأن الرئيس تبون لم يدخل الانتخابات البرلمانية بحزب خاص به، وفضلاً عن ذلك فهو كان قد نأى بنفسه، أثناء  الانتخابات الرئاسية التي أوصلته إلى قصر المرادية، عن حزب “جبهة التحرير الوطني” الذي كان قبل ذلك عضواً في لجنته المركزية، كما ابتعد بالكامل أيضاً عن حزب “التجمع الوطني الديموقراطي” المحسوب على النظام الحاكم. إلى جانب ما تقدم، فإن الرئيس تبون أشار أخيراً وشخصياً الى أنه ينوي تشكيل حزب الرئاسة في المستقبل، غير أنه لم يحدد موعد ذلك أو برنامج هذا الحزب الذي لا يزال مجرد وعد افتراضي حتى الآن.

هذا الوضع سوف تكون له تأثيراته في أسلوب تشكيل الحكومة المقبلة التي تدعو  أحزاب الموالاة ومشتقاتها إلى ضرورة جعلها حكومة سياسية تمثيلية، علماً أن مصطلح التمثيل في هذا المناخ لا يعني إلا هذه الأحزاب التي تسعى للتموقع في الحكومة بمفردها، وهي تدرك أن أسلوب التمثيل الذي تدعو إليه لا ينفع، لأن الذي حدث في مشهد الانتخابات البرلمانية هو مشاركة أطياف حزبية معظمها من الموالاة القديمة  والجديدة معاً، ومعها قوائم المترشحين والمترشحات الأحرار المحسوبين على الرئيس  تبون، ما يعني أن كل هذه الأطياف تدين في الحقيقة بدين النظام الجزائري.

بناءً على ما تقدم، فإن النظام الجزائري هو الآن أمام مأزق حقيقي يلخصه هذان السؤالان: هل سيشكل حكومة تكنوقراط ذات طابع بيروقراطي؟ إذا كان التوجه هو هذا فلا بد من التذكير بأن الأيام قد أثبتت أن الحكومات السابقة المدعوة بالتكنوقراطية خطأً عمّقت التخلف والفساد المالي في البلاد. كما أنّ التجربة علّمت المواطنين الجزائريين أن الشخصيات التكنوقراطية الجزائرية الحقيقية والمؤهلة علمياً وفكرياً منعدمة في المشهد الجزائري الطارد للكفاءات الوطنية المهمشة داخل الوطن والمنسية في المهاجر الأجنبية، والدليل على عدم فاعلية التكنواقراط هو أن الجزائر لم تحقق إلى يومنا هذا التنمية الحداثية والمتطورة مادياً وثقافياً وعلمياً، ولم تقهر بنيات التخلف بكل أنماطه، ولم تحل لغز تراكمات الأزمة المادية والثقافية والتربوية والاجتماعية والنفسية التي أدت ولا تزال تؤدي إلى الإحباط واحتقان الشارع الجزائري على مدى سنوات طويلة. 

أم أن النظام الجزائري سيشكل بعد أيام حكومة سياسية انتقائية من الأحزاب الموالية له ومن تشكيلة الأحرار الفائزين في الانتخابات التشريعية؟ إن هذا النوع من الإجراء لن يؤدي إلى الاستقرار السياسي المطلوب، وذلك جراء رفض أحزاب وشخصيات وطنية معارضة المشاركة في حكومة لم تفرزها انتخابات برلمانية، شارك فيها الجميع بسلاسة من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا النمط من الحكومة الناتجة من أسلوب “التحالف الرئاسي”، قد جربته الجزائر في عهد حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وأدى ذلك إلى نتائج وخيمة تنموياً وسياسياً، وهيأت أيضاً الأسباب التي فجّرت عاصفة الحراك الشعبي التي زلزلت الخريطة السياسية الجزائرية ولاتزال نيرانها تشتعل حتى الآن في هشيم المشهد السياسي الجزائري.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …