بقلم: د. أحمد يوسف أحمد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- عُقِد يوم الأربعاء الماضي مؤتمر “برلين2” بعد حوالي سنة ونصف من انعقاد دورته الأولى في يناير2020، والتي مثلت خطوة مهمة على طريق التفاهم الدولي لتسوية الصراع في ليبيا. ولقد حدثت تطورات مهمة في ملف الصراع بعد “برلين1″، كما يظهر من المشاركة المباشرة لحكومة الوحدة الوطنية الليبية بعد أن غابت هذه المشاركة عن المؤتمر في دورته الأولى، والخلاص من ازدواجية السلطة التنفيذية بانتخاب مجلس رئاسي جديد وتكوين حكومة وحدة وطنية، وإن ظلت المعضلة الكبرى باقية دون حل وهي وجود القوات الأجنبية والمرتزقة والمليشيات المنفلتة على نحو يهدد الاستعدادات الجارية للانتخابات المقررة في ديسمبر القادم، على الرغم من القرارات الدولية، بما فيها قرارات “برلين1” التي ترفض وجود هذه القوات الأجنبية والمليشيات المسلحة.
وكان إيجابياً أن يتخذ برلين2 موقفاً صريحاً من تلك المسألة بالتأكيد في البند الخامس من مقرراته على سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون تأخير. ومن الأهمية بمكان أن الوفد التركي حاول تعديل هذا البند بحيث ينص على سحب المرتزقة فقط واستبعاد القوات الأجنبية، وهي محاولة اعترض عليها الوفد المصري وطالب بإعادة فتح البيان بالكامل إذا أضافت تركيا أي تعديلات، ولقي اعتراضه دعماً كاملاً من الأطراف المشاركة في المؤتمر، ومن ثم رُفِض الاقتراح التركي. ويُقال إن تركيا حاولت أثناء زيارة وفدها رفيع المستوى إلى ليبيا، قبيل المؤتمر، أن تقنع حكومة الوحدة الوطنية بتبني هذا المطلب، لكنها فشلت كما يتضح من كلمة رئيس الحكومة أمام المؤتمر ومواقف وزيرة خارجيته.
والواقع أن مسألة وجود القوات التركية شديدة المحورية بالنسبة لمستقبل التسوية في ليبيا، وتتمسك تركيا ببقاء قواتها بزعم أن وجودها شرعي ترتب على اتفاقية مع الحكومة المعترف بها دولياً آنذاك، وأن مهمتها في ليبيا استشارية تدريبية، وأن خارطة الطريق الأممية لم تعط حكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة الحق في إلغاء أي اتفاقيات قائمة أو عقد اتفاقيات جديدة.. وكلها حجج مردود عليها، فاتفاقية نوفمبر2019 بين تركيا وحكومة السراج لم تكن شرعية أصلاً لسببين أولهما أن الأمد الزمني لتلك الحكومة كان قد انقضى بموجب الاتفاقية المنشئة لها وهي “اتفاقية الصخيرات”، والثاني أن مجلس النواب الليبي الشرعي لم يصدِّق عليها. وأما القول بأن مهمة القوات ذات طبيعة استشارية تدريبية فهو استخفاف بالعقول حيث يدرك الجميع الدور الذي لعبته هذه القوات في تغيير ميزان القوى في الصراع الدائر في ليبيا. وأخيراً فإنه من الحقيقي أن خارطة الطريق الأممية لم تعط الحق لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في التخلص من اتفاقيات قائمة، لكننا نتحدث الآن عن إرادة المجتمع الدولي كما عبّرت عنها مقررات برلين2. والواقع أن العودة للتاريخ القريب تفسر كيف أن المطالبة بانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة دون تأخير هي مطالبة منطقية بل وضرورية إذا أُريد لتسوية الصراع أن تنجح. وهل ننسى أن القوات الأجنبية وقسم كبير من المرتزقة المطلوب سحبها، قد جاءت إلى ليبيا أصلاً لنصرة طرف على آخر؟ لذلك فإن بقاء هذه المجموعات يعني أن أهم خطوات التسوية، أي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، سوف تُجْرى في ظل ميزان قوى مختل لصالح الطرف الذي جاءت هذه القوات لحمايته. وبما أن كافة الانتخابات السابقة قد أكدت ضعف شعبية هذا الطرف، فإنه من حق الأطراف الليبية الأخرى، بل والأطراف الدولية المهتمة بالصراع الدائر، أن تخشى من تدخل هذه القوات والمرتزقة للتأثير في هذه الانتخابات، بل -وهذا هو الأخطر- الانقلاب عليها إن لم تتسق نتائجها مع مصالحهم، وهي معضلة حقيقية تحتاج إمعاناً للنظر بحثاً عن حل.