بقلم: فيصل عابدون – الخليج الإماراتية
الشرق اليوم- بينما لا تزال الارتدادات الناجمة عن مبادرة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، تتوالى في المشهد الداخلي السوداني، فإن مراقبين اعتبروا أن «الخطوة الثلاثية» التي أقدم عليها حمدوك تهدف بشكل أساسي إلى استكمال متطلبات المرحلة الانتقالية عبر تسليط الضوء على قضية الانتخابات، العامل الرئيسي والحاسم في عملية الانتقال الديمقراطي.
وعلى الرغم من أهميتها البالغة في تأكيد وترسيخ العملية الديمقراطية، فقد كان متابعو المشهد السوداني يلاحظون بوضوح شديد وكثير من القلق أن قضية الانتخابات ظلت المسألة الغائبة، وأحياناً المغيبة عمداً، في أجندة القوى والأحزاب السياسية التي تتشكل منها حاضنة الحكومة الانتقالية أو تلك التي تعمل خارج مظلة تحالف الحرية والتغيير.
وفي الواقع، فإن حمدوك لم يقم بإلقاء حجر في بركة ساكنة، لكنه حقق صدمة لإيقاظ واقع سياسي مأزوم وفوضوي، وهو قد فعل ذلك على نحو متدرج وبخطوة واحدة لكنها توزعت على ثلاث مراحل خلال أقل من أسبوعين. ففي المرحلة الأولى وجه رئيس الوزراء خطاباً عاماً للأمة تحدث فيه عن تشظي القوى السياسية والعسكرية، وكشف ضعف وهشاشة الائتلاف الحاكم، وأوضح مكامن الخطر الذي ينطوي عليه تردي الوضع الأمني وضعف أداء المسؤولين في الوظيفة العامة، محذراً من مصير مجهول يغرق فيه السودان في أتون حرب أهلية طاحنة ومدمرة تتبدد في ظلماتها أحلام الانتقال الديمقراطي والاستقرار الأمني والازدهار الاقتصادي.
وبعد أن حظي بانتباه الجميع وإصغائهم، طرح حمدوك في خطاب ثان مبادرته الإصلاحية التي أطلق عليها اسم «الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال- الطريق إلى الأمام». وفي هذه المبادرة لخص رئيس الحكومة الانتقالية متطلبات الانتقال الآمن إلى الحكم الديمقراطي المستقر، ومن أبرزها إنشاء البرلمان الانتقالي الذي ظل معطلاً منذ تشكيل الحكومة وسط تبادل الاتهامات بين أحزاب الائتلاف الحاكم حول المسؤولية عن عرقلة إنشائه.
وفي خطوته الثالثة عقد حمدوك اجتماعاً للحكومة استمر ثلاثة أيام، أطلق بعدها ما يشبه الإنذار للقوى السياسية وطالبها بالاتفاق على تشكيل المجلس التشريعي، وإكمال إعداد مشروعات قوانين مفوضيتي الانتخابات والدستور ومجلس القضاء العالي خلال أقل من شهر. ولا شك في أن قيام هذه المؤسسات على أرض الواقع هو حجر الزاوية في عملية الانتقال للديمقراطية.
لقد ظلت الأحزاب السياسية السودانية ولسنوات طويلة، بعيدة عن مراكز صناعة القرار وعصفت بها الخلافات والانقسامات، وظلت مع ذلك تقاوم دعوات الإصلاح والتغيير الداخلي. وبعد عامين من قيام السلطة الانتقالية لم تظهر هذه الأحزاب العتيقة اهتماماً جدياً بقضية الانتخابات. بل إن بعض القوى السياسية والحركات المتمردة السابقة لا يزال يضغط ويطمع في تمديد عمر المرحلة الانتقالية إلى مالانهاية.
جدير في هذا الخصوص أن نشير إلى أن تيارات الحزب الاتحادي الديمقراطي المنقسمة، التقطت بسرعة إشارات رئيس الوزراء حول الاستحقاق الانتخابي، ووقعت سبعة من هذه التيارات على وثيقة لتوحيد الحزب وهو أحد أكبر الأحزاب السياسية السودانية، وتركت الباب مفتوحاً لانضمام بقية التيارات مع بدء مناقشات فورية لتشكيل مفوضية الانتخابات وقانون العملية الديمقراطية.