الرئيسية / مقالات رأي / عن التوجه المصري نحو باكستان وماليزيا

عن التوجه المصري نحو باكستان وماليزيا

بقلم: محمد أبو الفضل – العرب اللندنية

الشرق اليوم- تصاعدت وتيرة الاتصالات بين مصر وكل من باكستان وماليزيا الفترة الماضية، ومن المتوقع أن تتسارع الخطوات في هذا الطريق قريبا، والذي كان خاملا طوال السنوات الماضية، حيث انشغلت القاهرة بحل جانب معتبر من مشكلاتها الداخلية ومواجهة حفنة من التحديات الإقليمية.

لم تنته المشكلات أو جرى تجاوز التحديات تماما حتى الآن، لكن توافرت قاعدة متينة خففت من حدتهما، وظهرت العديد من العوامل التي تدفع القاهرة إلى عدم التراخي في الالتفات إلى الشرق الأدنى وما يدور فيه من تطورات مهمة، فقد بات بؤرة جذب استراتيجي لكثير من القوى التي تحاول ترسيخ أقدامها في بعض دوله.

أدخلت القاهرة تعديلات كبيرة على سياستها الخارجية كي لا تحصرها في نطاق المصالح المباشرة والتهديدات العميقة للأمن القومي، فهناك مصالح يمكن خلقها في مناطق تبدو بعيدة جغرافيا وقريبة سياسيا واقتصاديا، وثمة تهديدات غير مباشرة ربما تصطحب معها ارتدادات مختلفة تحوّلها إلى مباشرة في أيّ لحظة.

يمكن التوقف عند حالتي باكستان وماليزيا لمزيد توضيح المشهد وما يكتنفه من غموض في أذهان البعض، فالأولى لها علاقات تاريخية مع مصر، لكن عدم تفعيلها أصابها بالجمود دون تفسيرات كافية من الطرفين، ومنذ حوالي عام بدأت القاهرة ترسل إشارات سياسية إيجابية إلى إسلام آباد التي التقطتها سريعا وتجاوبت معها بما فُهم منه أنها مستعدة لتطوير العلاقات والتفاهم حول الأطر التي تدفعها إلى الأمام.

الثانية، ماليزيا، ارتبطت في عقل النظام المصري بأنها قاعدة خلفية لجماعة الإخوان المسلمين، ما أصاب العلاقات معها بالتكلس، إلى أن أدركت القاهرة أن هذه السياسة حملت معها نتائج سلبية، حيث تحوّل الخطاب الإسلامي إلى خطاب وحيد تستمع إليه كوالالمبور وتطرب له بعض نخبها السياسية، بما أرخى بظلال قاتمة على الخطاب المصري الرسمي الذي بدأ الحكم عليه يتأثر بالمظلومية الإخوانية الشهيرة.

لعل القمة الإسلامية التي عقدت في ديسمبر 2019 في كوالالمبور وقامت تركيا بهندستها سياسيا، دقت جرس إنذار لدى القاهرة، حيث حضرها زعماء دول إيران وقطر وتركيا وعدد كبير من ممثلي الحركات الإسلامية، ربما جاءت نتائجها أقل من توقعات أنقرة، لكن نبّهت إلى الأهمية التي تمثلها ماليزيا لتركيا وحلفائها الإسلاميين.

ترتبط القاهرة وإسلام آباد بعلاقات تعاون أمني قوية في مجال مكافحة الإرهاب بحكم تمركز الكثير من العناصر المتطرفة على الحدود بين باكستان وأفغانستان وتضم كوادر من أصول مصرية، كما أن تنامي الإرهاب العابر للحدود ومعاناة مصر من روافده أسهم في رفع مستوى التنسيق الأمني معها، لكن ذلك لم يمتد إلى مجالات أخرى.

استشعرت مصر مخاطر الغياب، في حين ضاعفت إيران من حضورها وقامت تركيا بتوثيق علاقاتها في باكستان، وهو ما يؤدي إلى إمكانية التأثير على هامش التنسيق الأمني بين القاهرة وإسلام آباد لحساب هاتين الدولتين، لذلك بدأت خيوط التواصل تتمدد بين مصر وباكستان مؤخرا وتشمل أفكارا واعدة حول تعاون عسكري واقتصادي وديني يسمح باستعادة جزء من ميراث التعاون المشترك.

أصاب اهتمام مصر بباكستان، والعكس صحيح، بعض القوى الإقليمية بالحيرة، خاصة تلك التي كانت تتمتع بنفوذ تقليدي، فلا أحد يعرف حقيقة التطور المصري الحاصل أو أهدافه والحدود التي يمكن أن يصل إليها بعد أن ارتفع مستوى الاتصالات بين القيادة السياسية في البلدين، وتواتر الحديث عن زيارة سوف يقوم بها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى القاهرة قريبا.

تختلف الدوافع والأهداف في حالة ماليزيا، لكن ثمة تطورا تدريجيا معها، حيث استبعدت مصر العنصر الإسلامي من المعادلة، أو وضعته في الخلفية، وتتعامل معها وفقا للمصالح الاستراتيجية في هذه المرحلة، والتي تقود حتما بعد وقت إلى إعادة النظر فيما يتردد حول تحول ماليزيا إلى منطقة جذب لجماعة الإخوان في ظل ما يتردد حول تحويلها إلى بديل عن تركيا التي شرعت في التقارب مع مصر ولا تستطيع تحمل تكاليف احتضانها للعناصر الإخوانية في هذا التوقيت.

من الخطأ الجزم بأن مصر استدارت نحو باكستان وماليزيا لمحاصرة ظواهر إسلامية أو تطويق تركيا ومراقبة إيران، لأن البراغماتية في العلاقات بين الدول تخضع لمقاييس متنوعة، ولكل طرف أهداف ومبررات تدفعه للتحرك حيال هذه الدولة وتلك، والطرف المستهدف لديه من المصالح ما يجعله ينجذب أو لا للرسائل السياسية.

تجاوزت الكثير من القوى الإقليمية، وبينها مصر، فكرة انتظار التهديدات حتى تطرق أبوابها، وشرعت في تخطي عملية البحث عن شبكة المصالح القريبة، لأن هناك تقاطعات تحدث يمكن أن تجلب معها انعكاسات على بعض القضايا المشتركة، فذهاب القاهرة إلى إسلام آباد أو إلى كوالالمبور، والعكس، لا يعني الحصول على مردودات آنية للعلاقة لأن عملية البناء وتعزيز الثقة وجني المكاسب تحتاج إلى وقت.

تقوم مصر بهذه المهمة وقد قطعت شوطا جيدا مع البلدين سوف تظهر تجلياته الفترة المقبلة في شكل اتصالات وتبادل زيارات وتوقيع اتفاقيات في مجالات متعددة، لأن القاهرة أنهت التقوقع حول ذاتها والتمحور في نطاق الفضاءات السهلة، وتتخلى عن تركيز جل اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط كزمام تقليدي في حركتها الإقليمية.

تعمل التوجهات المصرية على تنويع العلاقات بين القوى المؤثرة في العالم وخلق مصالح مشتركة معها لتضييق الحركة أمام خصومها، لأن غياب القاهرة عن التفاعل مع دولتين في حجم باكستان أو ماليزيا عوضته قوى أخرى، والأخطر أن حضور هذه القوى، وفي غالبيتها منافسة، جلب معه نتائج سلبية على الأمن القومي المصري، في حالة ماليزيا تحديدا التي كادت تتحول إلى قاعدة لاستقبال رديف الإخوان.

تكمن المعضلة التي تقابلها القاهرة في كيفية التوفيق بين تطوير علاقاتها مع باكستان وعدم خسارة جارتها الهند التي تتمتع بعلاقات قوية مع مصر، ما جعل التوجه بطيئا في البداية إلى أن تمكّنت من إحداث توازن بين الجانبين يكسبها باكستان ولا تخسر بموجبه الهند، وقوامه تحييد الأزمة المستعصية بينهما والخاصة بإقليم كشمير.

كما أن التحركات الراهنة بعيدة عن فكرة مناطحة قوى أخرى، مثل تركيا أو غيرها، لأن الاستدارة المصرية نحو باكستان محكومة بعوامل خاصة بمصالح البلدين فقط، وإن كانت تنطوي على محتوى يبدو مزعجا لأنقرة التي نجحت في تطوير علاقتها مع إسلام آباد في ظل تذبذب علاقات الأخيرة مع بعض القوى العربية المؤثرة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …