الرئيسية / مقالات رأي / الناتو والقلق الروسي

الناتو والقلق الروسي

بقلم: مصطفى فحص – الحرة

الشرق اليوم- إصرار لندن على شرعية استخدام المدمرة البريطانية (HMS Defender) للممر المائي الدولي بمحاذاة المياه الإقليمية لشبه جزيرة القرم، رسالة واضحة لموسكو بعدم شرعية ضمها لشبه الجزيرة سنة 2014، فبالنسبة إلى لندن تصرف البحرية البريطانية لم يخالف قوانين الملاحة الدولية، وهذا ما تبناه رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الذي أكد “نحن لا نعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، لذا نعتبر أن سفينتنا كانت في المياه الأوكرانية”.

 تمسك لندن بأن الحادثه جرت في المياه الإقليمية الأوكرانية إستفز موسكو سياسيا أكثر من إستفزازها عسكريا، إذ مس هذا التصرف العسكري والموقف السياسي للسيادة الروسية على ما تعتبره أراضيها، واعتبرته تحد بريطاني مباشر لقرارها بضم القرم.

 لم تترد موسكو بعد هذا الاستفزاز بالحديث مجددا عن صراع عسكري في البحر الأسود تقف خلفه لندن وواشنطن، فقد إتهم نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، الجمعة الفائت، الدول الغربية بالسعي إلى إثارة صراع في البحر الأسود، وقال “إن بلاده ستدافع عن حدودها بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك الوسائل العسكرية”.

كشفت الأزمة الأوكرانية حجم التراكمات الروسية من عدم الالتزام الغربي بالتفاهمات غير الموثقة التي جرت ما بين دول الناتو وموسكو بعد نهاية الحرب الباردة، وكانت قضية ضم القرم نقطة تحول دراماتيكية في العلاقة ما بين الجانبين، قضية فرضت على موسكو هجوما تكتيكيا للدفاع استراتيجيا، ردا على وصول طوق الناتو إلى حدودها الأوكرانية، وهو بالنسبة للكرملين بمثابة إزالة لكل القيود التي حاولت موسكو وضعها لعرقلة توسع الناتو شرقا.

في خطابه حول قرار ضم القرم أمام مجلس الدوما الروسي في 18 أبريل 2014، تذرع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الخطوة جاءت بسبب عدم التزام الدول الغربية بعدم توسع الناتو خلف حدود ألمانيا الموحدة، فقد عملت الدعاية الروسية على الترويج لفكرة أن الفعل الروسي هو رد على إهانات متكررة من قبل الناتو وعدم وفاء بالوعود من الأوروبيين، بالرغم من أنه لا يوجد أي التزام قانوني موقع من قبل الغرب لا للسوفيات في آخر أيامهم، ولا للروس من بعدهم بعدم توسع الناتو وراء حدود ألمانيا الموحدة، وهذا ما أشار إليه وزير خارجية الإتحاد السوفياتي، إدوارد شيفرنادزه، بعد مفاوضات (4+2) وتوحيد ألمانيا، الذي قال “كانت فكرة حل كل من الإتحاد السوفييتي وحلف وارسو واستيعاب حلف الناتو لأعضاء حلف وارسو السابقين تتخطى حدود خيال زعماء تلك الحقبة.”

تتعامل موسكو بحذر شديد مع فكرة توسع الناتو في الفضاء الأوروبي، الذي سيعطي مزيدا من التوسع القاري للحلف وحتى للاتحاد الأوروبي ويجعلهما أقرب للحدود الروسية، التي ستعتبر هذا التوسع المحتمل مشروعا لا نهاية له يهدف إلى تطويقها، وبمثابة عملية هجومية تنطلق من نقاط مختلفة لا حدود لنهايتها.

لذلك تعاملت النخب الروسية مع حادثة المدمرة ليس فقط أنه مجرد استفزاز عسكري بقدر ما هو تحرك إستراتيجي يهدف إلى خلق جو من التوتر بين موسكو وبعض عواصم القرار الأوروبي، التي كانت تستعد لفتح حوار معها في أعقاب قمة جنيف بين الرئيسين بوتين وبايدن، وهذا ليس بعيدا عن  الإنجلوفوبيا في روسيا، الذي يرى في بريطانيا خصما شرسا يدفع دائما نحو افتعال الأزمات مع موسكو بهدف عزلها عن أوروبا.

فعليا أزمة المدمرة البريطانية تزامنت مع تراشق أوروبي – روسي دفع الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي إلى رفض عقد قمة بينهم وبين روسيا في بروكسل، وقال الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون، إن الإتحاد الأوروبي يرى أن عقد إجتماع مع بوتين ليس أولوية قصوى الآن، وهذا ما دفع الخارجية الروسية إلى الرد بعنف على المجتمعين في بروكسل والقول إن الاتحاد الأوروبي بات رهينة لأقلية عدوانية.

وبالفعل فإن روسيا قادرة على خلق مساحة للحوار بينها وبين فرنسا وألمانيا، إلا أنها تعاني من مواقف متشددة لدول الاتحاد، التي كانت سابقا ضمن الكتلة الشرقية

، وهي لا تزال تعاني من مخلفات الحرب الباردة وانقسام أوروبا إلى معسكرين، جعل هذه الدول أسيرة تجربتها السوفياتية، التي حتى الآن تواجه رفضا روسيا لمراعاة خصوصيتها، والتعامل معها كدول مستقلة تبحث عن مصالحها غربا وليس شرقا، والمفارقة فإن أزمة السيادة التي تسبب بها السوفيات سابقا والروس لاحقا لدول أوروبا الوسطى والشرقية، باتت باتت تواجهها موسكو في القرم.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …