بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم- أتاح فوز المتشدد إبراهيم رئيسي بالرئاسة في إيران جملة من التوقعات على صعيد العلاقات المستقبلية بين إيران والخارج، أو على صعيد الداخل الإيراني والتعاطي مع الأصوات الأقل تشدداً أو تلك التي تنادي بإصلاح نظام مر على قيامه 40 عاماً، من دون أن يخفى تزايد أعداد المعارضين.
أراد القائد الأعلى للنظام علي خامنئي، من خلال تمهيد الطريق أمام رئيسي للوصول الى الرئاسة ـ مثلاً شطب مجلس صيانة الدستور كل المرشحين الجديين من المنافسة على غرار علي لاريجاني وإسحق جهانغيري وأحمدي نجاد – توجيه رسالة حازمة الى الخارج، تؤكد أن نهج التشدد هو الذي سيسود من الآن فصاعداً. وأول ما يتوارد إلى الذهن، الاتفاق النووي لعام 2015 والذي تجري محاولات حثيثة في فيينا لإنقاذه.
وفي اليوم التالي لانتخاب رئيسي، أورد موقع “أكسيوس” الأمريكي أن إيران أضافت إلى مطالبها برفع العقوبات الأمريكية، شرطاً جديداً للعودة إلى الاتفاق يطلب من إدارة الرئيس جو بايدن التوقيع على وثيقة تمنع أي رئيس من بعده الانسحاب من الاتفاق، على غرار ما فعل الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018. وهذا شرط من الصعب تلبيته أمريكياً، ومن شأنه زيادة الصعوبات أمام إحياء الاتفاق.
لا يعني هذا أن رئيسي ومن خلفه خامنئي لا يريدان رفع العقوبات الأمريكية، بل إنهما يريدان رفعها وضمان أن أي إدارة أمريكية أخرى لن يكون في إمكانها معاودة فرضها. فالمنافع الاقتصادية التي ستعود على إيران نتيجة لرفع العقوبات، ستتيح متنفساً لعهد رئيسي، لم يتوافر للرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، بسبب عقوبات ترامب.
أما في ما يتعلق بالبرنامج الصاروخي لإيران، فإن رئيسي حسم المسألة في مؤتمره الصحافي الأول الذي تلى انتخابه، عندما رفض رفضاً مطلقاً أن يكون هذا البرنامج مطروحاً للتفاوض. وفي الوقت نفسه لا تعترف طهران، بأن نفوذها الإقليمي يتسبب بـ”زعزعة استقرار” المنطقة، ولذلك من المستبعد أن تقبل بمراجعة سياستها في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
والى الداخل الإيراني رسالة لا تحتمل اللبس. فمع انتخاب رئيسي يكون المتشددون قد أمسكوا، بعد مجلس الشورى، بالرئاسة، وتالياً أغلقوا الباب أمام أي دعوات الى الإصلاح في مؤسسات النظام. وهي مرحلة يراها خامنئي بمثابة تأسيس ثان للجمهورية الإسلامية. ففي هذا المرحلة سيصار على الأرجح إلى اختيار خلف للقائد الأعلى، المنصب الذي يتولاه خامنئي منذ وفاة الخميني عام 1989، وكل المؤشرات تدل الى أن رئيسي هو الشخص الذي اختاره خامنئي لأخطر منصب في إيران.
ورئيسي شخصية ذات خلفية أثبتت تشددها منذ أن كان قاضياً يافعاً في طهران عام 1988، وتتهمه منظمات دولية لحقوق الإنسان بأنه كان من بين أعضاء لجنة وقعت على إعدام آلاف الأشخاص المعارضين للنظام. وقد اختاره خامنئي رئيساً للسلطة القضائية في البلاد، لأنه يثق به كرجل موالٍ مئة في المئة للنظام.
وفي كل الأحوال، تدخل إيران مع انتخاب رئيسي اختباراً رئيسياً. وصحيح أن رئيسي حصل على 62 في المئة من الأصوات، لكن لا يمكن تجاهل أن نسبة الاقتراع كانت 48 في المئة، أي أدنى نسبة منذ عام 1990. وهذا في حد ذاته رسالة معاكسة من الإيرانيين العاديين الذين جعلوا المقاطعة وسيلة من وسائل الاعتراض على النظام وعلى الطريقة التي تدار بها البلاد، لا سيما حرمان التيار الإصلاحي من التنافس في الانتخابات، للمرة الثانية في غضون عام.
ورسالة المقاطعة الواسعة يدرك النظام معانيها وأبعادها أكثر من غيره. ولهذا، فإنه يقيس خطواته بتأن وإلا يكون يجازف بتوسيع قاعدة المعارضة والمستائين من سياساته، سواء في الداخل أم في الخارج.