الشرق اليوم – قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية في افتتاحيتها إن آخر ما كانت تحتاج إليه إثيوبيا هو الحرب الفظيعة التي تدور رحاها منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في إقليم تيغراي والتي أسفرت عن مجازر واغتصاب ومجاعة، والواقع أن هذا البلد لا ينقصه إمبراطور جديد وإنما عودة السلام.
وأضافت أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، القائد الفعلي لهذه الحرب، الذي عقدت عليه آمال كبيرة عند تسلمه السلطة، خيّب ظن من راهنوا عليه.
وتابعت الصحيفة، أن هذه ليست المرة الأولى التي يحتفي فيها الغرب بزعيم أفريقي وينظر إليه على أنه أمل للقارة، ثم ما يلبث أن يتحول ذلك الزعيم إلى مستبد.
ولكن الغريب هي السرعة الهائلة للتقلبات التي ميزت مسيرة آبي أحمد، إذ لم يكد يحصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2019، حتى تحول إلى أمير حرب في العام التالي.
فالآمال التي كانت معلقة على هذا القائد الشاب ذي الشخصية الجذابة كانت، هائلة عندما تولى مقاليد السلطة في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 110 ملايين نسمة.
الجدير بالذكر أن إثيوبيا هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي لم تخضع للاستعمار قط، على الرغم من الاحتلال الإيطالي لجزء منها بين عامي 1936 و1941.
كما أن آبي أحمد فور تسلمه مقاليد الحكم أطلق سراح السجناء السياسيين، ودشن انفتاحا سياسيا داخليا، وأبرم اتفاقية سلام مع “العدو” الإريتري، وذلك يعني تدشينه قطيعة مفاجئة لـ3 عقود من نظام استبدادي جمع بين القمع السياسي والنمو الاقتصادي.
فالرجل المولود لأب مسلم وأم مسيحية وذو الرحلة السياسية المتميزة كان أهلا لقيادة إثيوبيا، وكان يجسد أملا لبسط الاستقرار في هذا البلد الذي كثيرا ما عصفت به الاشتباكات بين الجماعات العرقية لأقاليمه، وأملا لتحويله إلى بلد موحد ومزدهر، بل إلى “نمر” أفريقي.
لكن على العكس من ذلك، كما تقول الصحيفة، ها هي إثيوبيا بعد 3 سنوات من حكم آبي أحمد على شفا الانهيار، فقد تحولت عملية “استعادة النظام” التي انطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في إقليم تيغراي الشمالي، بدعم من إريتريا المجاورة، واستهدفت نزع سلاح السلطات المحلية المنبثقة عن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، تحولت إلى حرب مفتوحة.
وتميز الصراع في تيغراي بمجازر واغتصاب مدنيين، ومجاعة أثرت في 350 ألف شخص، وفقًا للأمم المتحدة، ولم تتمكن السلطة المركزية حتى الآن من إحراز نصر نهائي.
وفي الوقت نفسه، فإن منطقة أوروميا، على الرغم من كون آبي أحمد منحدرا منها، تعاني تمردًا داخليًّا تواجهه السلطات بالقمع والزج بالمعارضين في السجون.
كما أن رئيس الوزراء الإثيوبي بعد أن حرم من حلفائه السابقين في تيغراي، يجد نفسه اليوم رهينا لعلاقة مرهقة مع جاره الإريتري، كذلك يُتّهم بمحاولته التشبث بحكم البلاد من خلال التضحية بالخصوصيات الإقليمية لمصلحة الأمهرة، المجموعة العرقية الثانية في البلاد ذات الماضي الإمبراطوري، وكذلك من خلال رؤية موحدة جسّدها في حزبه الجديد “حزب الرخاء”.
ولكن يجب الحذر من أن الإيحاءات المسيحية لآبي أحمد، الذي تحول إلى الحركة البروتستانتية الخمسينية والذي يرى في نفسه المنقذ للبلاد، تغذي المخاوف من تفكك الهويات العرقية في بلد يطارده شبح التفكك على مدى أكثر من قرن.
يمكننا القول إنه من المؤكد أن الانتخابات التشريعية التي شهدتها إثيوبيا لن تحل مشاكلها وأن ما يحتاج إليه هذا البلد ليس إمبراطورا جديدا وإنما عودة السلام إلى ربوعه، ووضع حد للانتهاكات بحق المدنيين، وذلك شرط لا غنى عنه للبحث عن حلول لا تستثني أيا من مكونات البلاد.
ترجمة: الجزيرة