بقلم: مناهل ثابت – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – العملة النقدية مخزنٌ للقيمة الشرائية، والإنسان مخزن للقيمة الإنسانية، وكلاهما يحتاج لدعم القيمة فيه، فإن فقدها فقد فقد قيمته في الوجود.
يوماً بعد يوم منذ جائحة «كورونا» والعملة النقدية العالمية تفقد قيمتها الشرائية، ويعزو خبراء الاقتصاد عموماً ذلك الانهيار إلى التوجّه نحو الاشتراكية في الحلول المصادق عليها من قبل حكومات الدول العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية، وألمانيا الاتحادية، وحدث ذلك التوجّه حين ذهبت حكومات هذه الدول إلى دعم حزم الإنقاذ المالية بدعوى فرضتها الجائحة.
ورغم التضخم في المديونية والتضخّم النقدي الذي حدث بسبب ذلك الدعم لحزم الإنقاذ، إلا أن الحكومات لم يكن لديها أي مخاوف من النتائج المتوقّعة من قبل الخبراء والمعارضين لقوانين حزم الإنقاذ المصادق عليها وبالطبع، فإن المتوقع كان نتائج سلبية.
وتتجلى النزعة الاشتراكية في تلك القرارات بانحياز حكومات الدول الكبرى للشعب من خلال التضحية بالاحتياطات النقدية في البنوك الفيدرالية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والإضافة إليها بمديونيات كبيرة جداً غايتها تحريك العجلة الاقتصادية، وانتشال الشعب من الغرق في تداعيات جائحة «كورونا» وما فرضته عليه من بطالة وحجر صحي وركود على الصعد كافة.
بالإضافة إلى الخسارات المالية الكبرى التي مُنيت بها أسواق العمل بشكل عام، وقد كان هنالك هدف أكبر لدى الولايات المتحدة الأمريكية في عملية دعم حزم الإنقاذ من قبل الحكومة الأمريكية اتسع ذلك الهدف ليشمل العالم أيضاً في رؤيته العلاجية للأزمة الاقتصادية العالمية، التي تسببت فيها الجائحة، والتي لم يحدث مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية، وحتى أزمة عام 2008م لم تبلغ هذا المدى من الفظاعة.
رغم ذلك، فقد كان هنالك ثمن لا بد من أن تدفعه هذه الحكومات نتيجة لقراراتها بشأن دعم حزم الإنقاذ المالية، وهو فقدان العملات النقدية العالمية وتحديداً الدولار لقيمته الشرائية، فإذا كانت هذه القرارات قد استطاعت أن تنشط الدورة الدموية للاقتصاد وتنتشل المجتمع المستهلك من الغرق، إلا أنها تناست أو غاب عنها أن المواد التي يستهلكها هذا المجتمع كانت قد غرقت بالفعل بسبب الجائحة والركود الاقتصادي فدعم الأفراد بتوفير السيولة النقدية لهم من قبل الحكومات لم يمنع المواد الاستهلاكية ولم ينتشلها فكانت عملية الدعم مقتصرة على جانب واحد.
وهو جانب المستهلك ولذلك كان طبيعياً أن تبدو العملات النقدية أشبه بفاقد الشيء الذي يجعل له قيمة، وقيمة العملة النقدية هي القيمة الشرائية لها، فإن فقدتها لم يعد لها قيمة، وربما كان يجب أيضاً دعم المواد الاستهلاكية تماماً، كما يحدث حين تدعم الحكومات المشتقات النفطية، حتى لا يثقل الأمر على المواطن حين يتم تعويمها، أي أن ما حدث مع المواد المستهلكة عموماً أشبه بعملية التعويم لأسعارها بفعل الجائحة.
وبالإضافة إلى ذلك التضخّم النقدي مقابل المواد الاستهلاكية المعوّمة، نجد أيضاً تضخّماً في المديونية التي حملتها على عاتقها الحكومات، حين سعت لدعم حزم الإنقاذ وإنقاذ الاقتصاد العالمي وتحريك عجلته.
قد يبدو كل ذلك مقدوراً عليه ويمكن تلافيه، ولكن في حالة واحدة فقط وهي حالة التعجيل بإنقاذ العالم بأسره من جائحة «كورونا»، وفي أسرع وقت ممكن، وإلا فإن الطوفان المقبل سيكون أشد ضراوة من طوفان الجائحة، ولن يشفع للبشرية حينها حتى ولو بسفينة نوح أو عصا موسى.
يبقى الأمل الكبير في تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التي جاءت بلسماً يداوي جراح العالم، إذ قال فيما معناه أن هنالك 100 يوم فقط تفصل العالم عن العصر الجديد، وهو عصر ما بعد «كورونا»، وسيبدأ هذا العصر بأول حدث عالمي مهم، هو معرض إكسبو 2020 دبي، وهنا يمكن التكهّن بخلاص العالم من المعاناة، وعودة الحياة إلى مجاريها بأفضل مما كان على الصعد كافة وإلى أعلى حد. وللحديث بقية.