بقلم: محمد خليفة – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تتسابق الدول المطلة على شاطئ القطب الشمالي للوصول إلى الثروات الكبيرة الموجودة في الدائرة القطبية الشمالية، في أعماق المحيط المتجمد. وتتمثل أكثر تلك الثروات في النفط والغاز، وتقدّر الاحتياطات من هاتين المادتين هناك بنحو 25% من الاحتياطي العالمي. وقد تم استكشاف 62 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، و9 مليارات طن من النفط حتى الآن. والسباق حول هذه الثروات ينحصر بين خمس دول محاذية للقطب هي: (روسيا، كندا، جرينلاند، النرويج، وآلاسكا الأمريكية). وتعتبر روسيا من أوائل الدول التي استطاعت استخراج النفط والغاز من تلك الأصقاع.
وتعتمد روسيا في عمليات الاستكشاف على كاسحات الجليد النووية من طراز «أركتيكا»، وهي مطلية بالبوليمر لتخفيف الاحتكاك، وتستطيع هذه السفن أن تحطم الجليد خلال تحركها للأمام أو الخلف، على حد سواء، ما يجعل من المستحيل عملياً اصطيادها في فخ جليدي. وتستطيع كاسحات الجليد «أركتيكا» التواجد في ملاحة مستقلة لمدة 8 أشهر، بل وحتى لعام كامل من دون أي نوع من الأعطال. وقد أعلنت شركة «جازبروم نفط» الروسية في شهر أغسطس/ آب من العام الماضي، عن تحميل الشحنة النفطية الثانية من القطب الشمالي إلى الأسواق الأوروبية.
وفي بداية 2021 أوعز الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتشكيل قوة عسكرية في منطقة القطب الشمالي، حيث صرّح خلال لقائه الأخير مع قادة القوات المسلحة بأن «روسيا تستكشف بنشاط كبير هذه المنطقة الواعدة، وتعود إليها»، وأنه «يتعيَّن على روسيا امتلاك كل السبل للدفاع عن أمنها ومصالحها الوطنية». وأضاف بوتين أن روسيا قد بدأت بناء 7 مطارات في القطب الشمالي. وحذّر وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الدول الغربية من أي مطالبات لمنطقة القطب الشمالية. وقد جاءت تصريحاته رداً على بيان وزير الخارجية الأمريكي بتجنب عسكرة القطب الشمالي في تحذير إلى روسيا التي دافعت عن أنشطتها العسكرية. وكان رئيس الوزراء الكندي صرّح بضرورة إدراج منطقة القطب الشمالي في قائمة توسيع المناطق البحرية، والتي ستقدمها كندا إلى لجنة الأمم المتحدة الخاصة بقانون البحار، كما تعتزم كندا إجراء بحوث علمية واسعة الأبعاد لقاع المحيط المتجمد الشمالي في منطقة سلسلة لومونوسوف. ولا توجد حقوق ملكية للجرف القاري لمنطقة القطب الشمالي الذي يمتد حتى القطب الشمالي نفسه.
وفي الوقت الحاضر تطمح الدول الخمس إلى التوسع في منطقة القطب الشمالي، من خلال إعادة تفسير الاتفاقية الدولية لقانون البحار في عام 1982، والتي تقول بإمكانية زيادة مساحة الجرف القاري (200 ميل بحري من الساحل) حتى 350 ميلاً، إذا قدمت الدولة المعنية أدلة كافية على أن القاع البحري، الواقع خارج حدود منطقة المئتي ميل، يعتبر امتداداً طبيعياً لجرفها القاري. والهدف من وراء ذلك هو السيطرة بقدر الإمكان على سلسلة جبال لومونوسوف المغمورة بالمياه من أجل وضع اليد على الثروات النفطية والغازية في منطقة القطب.
وربما سيتحول الصراع حول ثروات القطب إلى نزاعات سياسية وعسكرية، ولاسيما أن هناك دولاً عظمى مثل، روسيا والولايات المتحدة، ستعمل قدر الإمكان على حرمان الدول الصغيرة من حقوقها العادلة، إذ بإمكان هاتين الدولتين فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية المسلحة. ورغم ذلك يجري إلى الآن حل النزاعات حول المنطقة الاقتصادية في القطب، بشكل دبلوماسي وسياسي. وفي ظل تصاعد الصراع حول النفط والغاز في مختلف مناطق العالم ومنه المنطقة القطبية، فإن الحلول السياسية لن تجدي نفعاً.
وهنا تبرز روسيا بوصفها الدولة الوحيدة التي كانت سباقة في استكشاف القطب منذ القرن الثامن عشر، حيث تمكن الروس من عبور مضيق بيرينج الذي يفصل بين قارتي آسيا وأمريكا، والوصول حتى ألاسكا في القارة الأمريكية وامتلاكها، وخلال عمليات الاستكشاف المتواصلة طور الروس بنية تحتية كبيرة تساعدهم في استكشاف أعماق المحيط المتجمد. والآن يكمل الروس ما قد بدأوه ولن يكون بإمكان دولة أخرى مجابهتهم في هذا المجال. بالرغم من أن جرينلاند، وبعد استقلالها عن مملكة الدنمارك، تحاول أن تفرض نفسها بقوة في المنطقة القطبية بوصفها دولة قطبية كاملة، كما تحاول أن يكون لها نصيب كبير في ثروات القطب من نفط وغاز لكي ترفد اقتصادها.